spanning-the-gaps-cover

حياء تفتح الملف التربوي للتعليم في الكويت

الهم التربوي في الكويت كرة ملتهبة ……..

لا شك بأن ملف التعليم في الكويت هو أحد الملفات الساخنة ـ إن لم يكن أكثرها التهابا ـ  ليس بسبب التداعيات المختلفة له، التي فتحت أعين الكثيرين من المهتمين على كونه قنابل موقوتة توشك على الانفجار، إنما لأنها تقف عاجزة أمام بعض التحديات.

 منذ سنوات كنا وسنظل لسنوات قادمة نسمع عن وضع إستراتيجيات وعن عقد مؤتمرات لمعالجة الخلل وإيجاد الحلول، وكلها أمور نضعها على عاتق المسئولين وما علينا سوى الانتظار.

مما لا شك فيه بأن الوصول إلى نموذج ناجح في عملية التربية والتعليم يساهم بشكل مباشر في الحصول على قيادات شبابية تنهض بمجتمعها، من أصعب بل أعقد المعادلات التربوية، وقد أرهق ذلك القائمين علـى العملية التعليمية ليس فقط في الكويت، وإنما في العالم أجمع، لما تتطلبه مــن إصلاح وتطوير مستمرين لكل من المعلم والمتعلم والمنهج على السواء.

وفي هذا التحقيق سوف نركز على الشق التربوي من التعليم ومحاولة معرفة مدى قدرته على ترك بصمات وآثاره على الحياة الاجتماعية. فما السلوكيات المنحرفة والخطيرة التي بدأت تظهر أخيرا بصورة ظاهرة للعيان، بل وأصبحت تنخر بالجسد التعليمي ككل، إلا شاهدة على كلامنا ـ، فمن ظاهرة التدخين إلى المخدرات بأنواعها، إلى الجنس الثالث والبويات والتحرش الجنسي، وصولا إلى عبادة الشيطان، إضافة لظاهرة العنف الطلابي في المدارس، التي بدأت تطفو على السطح بصورة لافتة حتى أصبحت يشار إليها بالبنان.

الاعتراف بوجود المشكلة أول خطوات العلاج

تؤكد الأستاذة بكلية التربية الأساسية في جامعة الكويت د. سلوى الجسار بأنه لا توجد لوائح سليمة تضبط السلوكيات المنحرفة، وتتساءل باستغراب قائلة: ماذا نتوقع غير العنف في ظل عدم وجود برامج إرشادية نفسية واجتماعية، وعدم وجود مناقشات حرة ديمقراطية داخل المدارس؟!  ( جريدة الوطن ـ العدد 11394/5840 الصادر بتاريخ 9/10/2007 )

ويشدد الأستاذ فهد المعكام – المدير المساعد في إحدى المدارس المتوسطة – على ضرورة قيام وزارة التربية بجميع قطاعاتها باتخاذ موقف حازم تجاه الطلبة المتمردين، حتى نحد من هذه الظاهرة التي بدأت تتزايد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.

( جريدة الوطن ـ العدد 11395/5841 الصادر بتاريخ 10/10/2007 )

أرقام مخيفة من دراسة جريئة ..

بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة قصص الجنس الرابع، وهي ما يسمى بالبويات (المسترجلات ) بصورة لافتة للنظر، ولم تعد تقتصر على الجامعات والمعاهد، إنما امتدت حتى وصلت إلي المرحلة المتوسطة، فهذه الظاهرة (البويات ) هي قنبلة موقوتة، ورفض المجتمع أو المدرسة لهن هو بداية الحل وبداية لنزع فتيلها.

لقد كشفت دراسة ميدانية جريئة أجرتها منطقة الفروانية التعليمية بالكويت عن وجـــود بعـض حالات الشذوذ بين طلبة وطالبات المنطقة، حيث تبين أن هناك سبع حالات جنــس ثالث، و34 حالة تشبه الإناث بالرجال. وأوضحت الدراسة التي اختارت أسلوب مواجهة الواقع من أجل معالجته، بدلاً من دفـــن الرؤوس فـي الرمال، والادعاء بأن ” كل شيء تمام “، أن هناك أربع حالات جنس ثالث فــي إحـدى مدارس المرحلة الثانوية من مجموع عدد طلاب المرحلة البالغ 4284 طالباً، وثلاث حالات في مدرسة متوسطة من مجموعة طلبة المرحلة البالغ عددهم 9340 طالباً.

أما في مدارس البنات فقد أشارت الدراسة إلى وجود 26 حالة تشبه بالجنس الآخر “البوي ” مــن إجمالي عدد الطالبات البالغ 6390 طالبة، إضافة إلى اكتشاف حالات شاذة أخرى, كالإعجاب الزائد بين فتاتين، أو التلاصق الجسدي بشكل غير لائق. وعلى مستوى مدارس المرحلة المتوسطة بلغت حالات التشبه بالجنس الآخر ” البوي ” ثماني حالات، من إجمالي عدد الطالبات البالغ 10191 طالبة.

وأكدت الدراسة أيضاً أنها تتعامل مع الحالات الشاذة التي تم اكتشافها، وفق أسلوب علمي جاد يتضمن متابعتها من قبل مكاتب الخدمة الاجتماعية كحالات فردية، بهدف وضع خطة علاجية دقيقة وفعالة لمعالجتها.

وقد طفت على السطح في قطاع التربية والتعليم مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن السابقة، وهي انتشار المخدرات، حيث بدأت هذه الظاهرة وتفاقمت وتعقدت وتغلغلت بين صفوف شرائح المجتمع كافة، والطلبة منهم بشكل خاص. وبالرغم من بأنها كارثة عالمية (تشير إحصائيات الأمم المتحدة عن مشكلة المخدرات أن نحو 4.1% من سكان العالم يتعاطون المخدرات( ، إلا إنها في الكويت أكثر تدميرا وتأثيرا، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أنه يوجد حوالي 50 ألف مدمن في الكويت، مع عدم إغفالنا لعدد الشباب منهم، خاصة طلبة المدارس والكليات والجامعات، حيث تشير الأرقام إلى أن 6.1 % من الطلبة مدمنـون.

إننا نتساءل إذا كانت هذه الأمور موجودة في مدارسنا، فكيف نأمن – نحن أولياء الأمور- على سلوكيات أبنائنا في المدارس؟ وكيف نرضى بتحول سلوكيات أبنائنا من صالحة إلى فاسدة ؟ وأين التربويون والأخصائيون في المدارس؟ وهل لهم سلطة منع هذه الظواهر السلوكية الخطيرة ؟ وهل هناك لوائح أو قوانين تمنحهم هذه السلطات؟

ومن واقع الدراسة الاستطلاعية التحليلية التي أجرتها الباحثة الاجتماعية  شذى صبري المري  حول ظاهرة الترف والتشبه بالجنس الآخر، ومدى شيوعه بين طلبة المدارس الثانوية في الكويت، التي أجرتها على عينة عشوائية من(100) مائة طالب وطالبة في ثانوية بيان مقررات بنات، و ثانوية فرحان الخالد بنين، وثانوية عبد الله عبد اللطيف الرجيب مقررات للبنين،  حيث تم التوصل إلى نتائج خطيرة، حيث أجابت بنعم 90% من الطالبات و 66 % من الطلاب على سؤال الدراسة ” إذا كانت تكثر ظاهرة الترف والتشبه بالجنس الآخر في المدارس والكليات ” كما أجابت بنعم 34% من الطالبات حول ما إذا كانت لديهن زميلات لهن سلوكيات خاطئة و أجاب 56 % بنعم على السؤال نفسه.

وخلصت الباحثة في دراستها تلك إلى توصيات عديدة، منها مطالبتها بتوجيه اهتمام وأنظار المسئولين لجميع الوزارات الحكومية، ومنها التربية والتعليم لمتابعة تلك الفئة المريضة ومعالجتها كل في مجال اختصاصه بصورة جدية وبطرق علمية مدروسة للحد من انتشارها. 

وفي لقاء أجريناه مع الباحثة  قالت بأن المدرسة تعتبر مؤسسة اجتماعية وتربوية، إذ لا يقتصر دورها على تنمية الطالب أكاديميا وعلميا، بل أخلاقيا وسلوكيا، وشددت على دور الأخصائي الاجتماعي بحصر الحالات منذ بداية العام الدراسي بصورة مبكرة لوضع خطة علاجية تشمل المدرسة والأسرة وأصدقاء السوء.

كما نوهّت الباحثة إلى أنه نظرا لأن لائحة النظام المدرسي تطبق العقوبة المدرسية بحق هؤلاء بعد عمل مجلس نظام تأديبي تتراوح عقوبته بين الفصل أو الحرمان أو النقل لمدرسـة أخرى يمكن أن تتدخل الأخصائية الاجتماعية في الأمر وتخفض العقوبة من باب تدعيم الطالب، وتحفيزه على عدم تكرار هذه السلوكيات المنحرفة.

التربويون يطبقون سياسة دفن الرؤوس بالرمال .. في مواجهة المشاكل .

نتساءل هنا باستغراب هل عملية نقل الطلبة ذوي السلوكيات المنحرفة من مدرسة إلى أخرى هو علاج للمشكلة ؟ أم هي عملية نقل لهذه الآفة من مكان لآخر، وبذلك نكون قد طبقنا سياسة دفن الرؤوس بالرمال عن جدارة، وهربنا من مواجهة المشكلة بشكل جاد.

وردا على سؤالنا لها عن كيفية حماية المدرسة لأبنائنا، ردت بقولها أن دور المدرسة ينحصر في تطبيق اللوائح، أما حماية الأبناء فيعود إلى الأهل الذين يجب أن يقوموا باحتوائهم وتوجيههم وإرشادهم دون عصبية، متخذين من الشفافية شعارا في طريقة التعامل معهم، مما يشعرهم بالأمان ويشجعهم على العودة إلى الأهل دائما عند مواجهتهم لأي مشكلة. 

حالات معيبة ومؤسفة

تقول ( ليلي محمد 17 سنة، طالبة ثانوية ) تعرضت أنا شخصيــا كوني جميلة، لعدة محاولات تحرش جنسي من ( بوية )، وتعرضت من أخرى لإقناعي بتجربة حبوب منشطة بغرض تحسين الذاكرة، وما خفي كان أعظم، وبحكم علاقتي بأمي والتي تعاملني كصديقة، نصحتني ووجهتني حول كيفية التعامل مع هذه الحالات، وطلبت مني الذهاب إلى إدارة المدرسة، ولكنني لم أذهب لأنني رأيت تشجيعا من إدارة المدرسة لهن، وذلك بالسكوت عن تلك الحالات.

ويقول ( علي حيدر  16 سنة ، طالب ثانوي ) أن هناك الكثير من الطلبة الشواذ وكذلك من عبدة  الشيطان، والغريب في الأمر أن عددهم في تكاثر، وعندما سئل عن دور المدرسة والمدرسين، قال أنه لم يفكر باللجوء إليهم، لأن ذلك ـ من وجهة نظره ـ لا جدوى منه، فهم يرون ما يراه.

أما ( لمياء سالم  18 سنة ـ ثانوية عامة ) فتقول أنها لم تتعرض لأي نوع من أنواع التحرش الجنسي أو محاولة إحداهن عرض حبوب مخدرة أو ما شابه عليها، لكنها تعلم بجودهن، والمشكلة تكمن في تغاضي الإدارة عنهن.

كما تم الاستماع إلى بعض الحالات الأخرى التي رفضت التحدث في الموضوع لشعورهم  بالخجل أو الخوف فضلا عن حساسيته الزائدة.

إن ما يجب أن نعيه جيدا هو أن الطالب هو مركز العملية التربوية، فالمدرسة هي  حقل تجريبي يجد فيه الطالب متنفساً ليمارس بعض السلوكيات التي كانـت محظورة عليه من قبل الأسرة، وهذه السلوكيات إما أن تكون سليمة ومطلوبة ولكن الأسـرة نظراً لأعراف وبروتوكولات تخصها منعتها عن ابنها، وهو اليوم يجد الفرصة في التحـرر من الرقابة غير الواعية، وإما أن تكون سلوكيات خاطئة من شأنها أن تؤثر على مستقبل ابنـها وتلقيه في منحدر الانحراف. ولا شك بأن فشل المدرسة في مهمتها يولد لديهم  شعوراً بالإحباط والفشل وكراهية للمجتمـع بقيمه ونظمه ومؤسساته، ومن هنا يمكن إرجاع بعض الممارسـات المنحرفة عند الأبناء إلى فشل المدرسة في تقديم تربية سليمة لتلاميذها.

كما أن بعض الدراسات أثبتت وجود علاقة بين الجريمة والفشل الدراسي، فكلما كان مستوى الشخص متدنياً كلما كان أقرب إلى السلوك المنحرف، وأظهرت الدراسة أن نسبة كبيرة من الأحداث المنحرفين المودعين بدور الرعاية سبق وأن تعرضوا للقسوة أو الاعتداء في مدارسهم عندما كانوا طلبة بالمدارس.

ومن هنا فإننا نرى أن العملية التعليمية التربوية مسؤولية مجتمعية يشارك فيها المجتمع بمختلف فئاته بجانب المؤسسة التعليمية، فلكل من الأسرة والمؤسسة الإعلامية والمؤسسة الدينية دور هان في التنشئة، فالأبناء يتأثرون بالمجتمع الذي يعيشون فيه.

وزارة التربية تلتف على الهموم التربوية بالقضايا التعليمية

نتساءل، لماذا ينصب الاهتمام فقط على تعديل المناهج و تطويرها، والاهتمام بالحشو  المبالغ فيه ؟ فما نخشاه أن يكون ذلك من أجل المباهاة بالتطوير وتقديم هذا الكم من المعلومات للطلبة دون النظر أو الاهتمام بالمضمون، ولماذا يكون التوجه في التطوير غالبا تعليميا لا تربويا ؟

أما عن كيفية القضاء أو ـ  على الأقل ـ  الحد من هذه الظاهرة السيئة أو غيرها من الظواهر كالعنف المدرسي أو الرسوب المتكرر والتسرب الدراسي وغيرها، فيجب على الأسرة والمدرسة والمعلم أن يكون لكل منهم له دور ناجح في توعية الطلاب بآثارها السلبية، وذلك عن طريق الاستفادة من الدروس التي تمس هذه الموضوعات المهمة كجزء من حملة التوعية، خاصة في مناهج العلوم  والتربية الإسلامية والاجتماعيات مع استخدام المدرس لورش عمل توعوية ( على سبيل المثال )، حيث يرى بعض القياديين بوزارة التربية والتعليم في الكويت أن القضية التربوية بالكويت تحظى بالتخطيط والدراسة، وتقوم على نظريات وأن التغيير في النظريات يختلف من عصر إلى آخر، لأن الكويت ليست بمعزل عن العالم المتحضر. ونحن هنا لسنا ضد  التطوير في العملية التربوية، بل نرى بذلك أهمية بالغة على أن لا يكون ذلك على حساب تعاليم ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، وعلينا المزج بين الحداثة والتطور من جهة وبين الأصالة والمحافظة عليها من جهة أخرى، إضافة لوجوب العمل على توفير جو يسمح لتوفير علاقة العلاقة  وطيدة بين الطالب والمعلم ليطمئن الطلاب إلى المعلم ويبوحوا له بما في صدورهم عن مشاكلهم.

ويتمثل الحل الأوحد برأينا لمعالجة أزمة التربية في التعليم بالكويت ـ وباختصار شديد ـ  في وجود محيط أسرى متماسك مع مدرسين ذوي منهجية تربوية سليمة ولوائح تطبق على الجميع دون استثناء، لأن المسبب الرئيس للأزمة هو غياب الحزم في التربية، وينبغي تعليم الطالب أن يكون ملتزما علميا وسلوكيا وأخلاقيا، ليكون لديه أحساس عظيم بقيمة الثقافة والنجاح والالتزام، وما ينطبق على الطالب ينطبق على المدرس بطريقة أو بأخرى.

ومما سبق نقول: أين المسئولون وأصحاب القرار ؟ وأين أولياء الأمور؟ وأين التربويون ؟ بل وأين كافة المعنيين بهذا الملف؟ فلا نظنكم راضين عن مثل هـذه الأمور !!!

فكفانا إستراتيجيات توضع ومؤتمرات تعقد من أجل تجاهل لوائحها وتوصياتها، وعلينا أن   نكلّف أنفسنا عناء السؤال عن مدى ملائمة تلك الاستراتجيات، وليكن اسم وزارة التربية والتعليم اسما تستحقه قلبا وقالبا.

  حفل طلابي بمشروبات روحية بحضور المدرسين . التدخين عادي وحبوب ( الكبتى ) منتشرة بين الطلبة . القبس ـ العدد 12216 بتاريخ 5/6/2007 .
  طالبة لوزيرة التربية : احمونا من” البويات ” في المدارس القبس ـ العدد 12250 بتاريخ 9/7/2007 .
6.1 % من الطلبة مدمنون القبس ـ العدد 12145 بتاريخ 26/3/2007  
  مدير مساعد بـ” المتوسط ” : حزم “التربية ” ضد ” المتمردين ” ضرورة  لوقف اعتداءاتهم السافرة ووقاحاتهم . من (الملف الأسبوعي ) الاعتداء على المعلمين أزمة أخلاق وشرخ في الجدار ( جريدة الوطن ـ أكتوبر 2007 )   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *