ghanima habib karam – corona

جريدة السياسة: ١٨ نوفمبر ٢٠٢٠

شاءت مشيئة الله تعالى أن تُبتلى البشرية بوباء مرضي شديد الوطأة لم تظهر بعد كل تداعياته، ولم تسلم منه الدول والمجتمعات والأسر وأكثر القطاعات التي لها علاقة بالنشاط الإنساني، إلا انه في أتون هذا الصراع مع الفيروس اللامرئي والذي فرض شروطه وقيوده على الإنسان وكبله وكبده آلاف الضحايا، فهو لا يزال نسبيا مجهولا له.
ويتطلب الاحتراز وأخذ الحيطة والحذر منه، حتى يتم التعرف الكامل على طبيعته ويُحد من انتشاره .


وعند النظر في ما حدث بنظرة أعمق نجد أن ما حدث قد أثر على النظام العالمي، ولو أردنا الرجوع لما كنا عليه في سابق عهدنا وحياتنا اليومية التي اعتدنا عليها، لما استطعنا لفترات غير معلومة، لان هناك بعض الأمور قد تغيرت في ذواتنا ونفسياتنا، فزاد الإحساس بالقلق والتوتر والأمراض النفسية والعضوية والانحرافات السلوكية كالإدمان والإكتئاب والانتحار والخوف والقلق من القادم من الأيام عند الكثيرين منا.


فأصبح هناك شيئا من حالة الترقب والتقييد، وفرضت العزلة الاجتماعية وعدم التواصل المباشر بين الناس لفترة زمنية طويلة، مما خلق نوعا من العنف الأسري نتيجة بقاء الأزواج والابناء مع بعضهم لفترات طويلة كانت الأيام العادية حررتهم منها، فزاد الاحتكاك وأظهرت بعض الاختلافات والمشكلات التي لم نكن نراها في السابق داخل الأسر في المعتاد.


هذا وقد حرم الطلاب على النطاق التعليمي في مختلف المراحل الدراسية من الذهاب إلى مدارسهم ومتابعة دراستهم وتنمية مهاراتهم النفسية والاجتماعية والسلوكية وتم الاكتفاء بنظام التعليم عن بُعد النظري الجامد، والإجبار على بقائهم داخل المنزل مما زاد من عزلتهم وأوجد توترا أسريا جديدا.


وهكذا فقد تأثر الطاقم الطبي الذي كان ولا يزال يبذل قصارى جهده لانقاذ أرواح الناس حتى على حساب صحته وأحيانا يدفع ثمن ذلك حياته، ناهيك عن تضرر العديدون ممن خسر وظيفته أو تجارته وماله وكانت التبعات شديدة عليه. مما أدخل الاقتصاد العالمي أيضا في حالة من التراجع في الوظائف والاستثمارات.


فحياتنا تحولت بين ليلة وضحاها إلى ساحة حرب _ وان كسب فيها الفيروس جولة وفرض شروطه مؤقتا _ مهما كان الرابح فيها فهو خاسر إلى حد ما، والبقاء فيها للأقوى تحملا وثباتا نفسيا وعضويا وماديا واجتماعيا، والفائز فيها بأقل الخسائر هو من يتحلى بالمرونة النفسية التي تجعله قادرا على التكيف والتعامل مع الصعوبات والضغوطات التي نمر بها حاليا.


لنتعلم من هذه الأزمة كيف نحول الظروف السلبية إلى إيجابية ، ونستفيد مما يجري لننمي قدراتنا ومهاراتنا، ونستثمر كافة خبراتنا الحياتية والمحفزات التربوية والتعليمية والثقافية التي تربينا عليها وتعلمناها، لنحمي أنفسنا ومن نحب من أهلنا وأبنائنا وأحبائنا، لنخرج من هذه الحرب إن صلح تسميتها بذلك سالمين حتى نمضي قدما في الحياة، إيمانا بالله بأن القادم أجمل، وبأن بعد كل كربة فرج، وبعد كل ألم أمل جديد، فمهما طال الوقت فإنها ستمضي .. فلنكن أكثر قوة و ثباتا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *