تدور الأحاديث في وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام حول مسألة السماح للعائدين الأفراد الذين التحقوا في فترة سابقة بالجماعات الإرهابية المتطرفة بالاندماج في المجتمع، ويقدم البعض من المهتمين وجهات نظر متباينة في سبل التعامل هؤلاء الذين يعلنون التوبة والتراجع عما أقدموا عليه، وتبرز فكرة تدشين برنامج المناصحة كحل للتعامل مع هذه الفئة، وهي فكرة بلا شك تواجه معارضة من الكثير من أبناء المجتمع الكويتي، ولا أخفيكم بأنني واحدة من هؤلاء المعارضين.
وقبل أن أقدم وجهة نظري في هذه المسألة أود أن أتوقف أولا عند ما يطرح من حلول، لا سيما برنامج المناصحة الذي يهدف وفق رؤيه للجمع بين الأمن والفكر لتلافي الأسباب التي تقود للفكر المنحرف وجرائم الإرهاب، ومساعدة الفئات المستهدفة على التخلص من الانحراف الفكري والعودة للانسجام مع المجتمع، ويعتمد برنامج المناصحة وفق صاحبة التجربة الرائدة في منطقنا العربية، وهي المملكة العربية السعودية على جانبين: الأول ترسيخ الجانب الديني والوجداني وتعزيزه لدى الأفراد، والآخر محاولة إزالة بعض الأسباب الاجتماعية المؤدية للفكر المنحرف من خلال تقصي الجانب الاجتماعي لدى الفرد واستكشاف المشكلات المادية التي ربما تكون سببا في توجهه نحو الفكر المنحرف ومساعدته على تجاوزها، علما بأن الكثير من الأفراد الذين التحقوا أو تعاطفوا مع الجماعات الإرهابية لا يعانون من مشكلات مادية، بل وبعضهم لا يولي للجانب الديني أهمية في حياته اليومية.
وعلى الرغم من اهتمام المملكة العربية السعودية بالفكرة وتطبيقها، وإنشاء ولي العهد السابق محمد بن نايف مركزا خاصا للمناصحة، إلا أن المراقب يدرك بأن مظاهر الفكر المنحرف في ازدياد، سواء في المملكة العربية السعودية أم في دولنا العربية الأخرى، وهي بلا شك نتيجة تجعلنا نستبعد الجانبين الديني والمادي من المعادلة، وتدفعنا للبحث عن مسببات غيرهما.
تقول كاثلين تايلور أستاذ علم الأعصاب في جامعة اكسفورد إن التطرف مرض بيولوجي وهناك الكثير من العلماء المنشغلين في دراسته ومحاولة إيجاد علاج له، وهو مرض لا علاقة لها بالجانب الديني، لكننا كأفراد معرضين للكثير من العوامل التي تعززه لدى الفرد كالاستبداد والظلم وسوء التعليم والعديد من العوامل التي من شأنها أن تشعر الفرد بالدونية.
إن علاج التعصب كغيره من الأمراض البيولوجية الأخرى مثل الإدمان لا بد وأن يكون وفق برامج علاجية مطولة تكفل عدم العودة والتأهيل للاندماج بالمجتمع، ولا يمكن توفير هذه البرامج وإعدادها إلا من قبل متخصصين في السلوك الاجتماعي وكيفيىة التعامل معها.
إن تقبل هذه الفئة بالمجتمع لا يمكن أن يتحقق إلا بعد التصديق أولا بأن التطرف مرض، ثم التعامل معه وتقبله على هذا الأساس، لذا فإننا كأفراد في المجتمع نحتاج لأكثر من برنامج المناصحة ليتسنى لنا تقبل هذه الفئة في مجتمعنا، وهي فئة ليست غريبة، أنهم أبناؤنا، وقد أنفقت عليهم الدولة الكثير ولا يمكن أن تذهب كل تلك الجهود والرعاية أدراج الرياح.