16-08-21-546897-750×430

الإحصاءات كشفت عن 40 ألفاً وقرعت ناقوس الخطر… ومعدلات تأهيلهم لا تتعدى ال ١٥٪ـ

د.غنيمة كرم:
* الفضيحة والخوف من المساءلة القانونية تمنعان إقبال المدمنين على العلاج
* ارتفاع ملحوظ في معدلات الجرائم المرتبطة بالمدمنين خلال الجائحة
* ضغوط اجتماعية ونفسية واقتصادية أثرت سلباً على الشباب وقادتهم للإدمان

د. عباس الطراح:
* قلة عدد الأطباء والمتخصصين تُربك مراحل التأهيل النفسي والسلوكي
* دور مهم للأسرة في حماية أبنائها… وضعف القوة الإدراكية تدفع المدمن للجريمة
* يبدأ الحدث الجانح بالكحول ثم الحشيش والمسكنات والمنومات… وينتهي بالهيرويين

إقبال الأحمد:
* التوعية وتكاتف الجهود الأهلية والحكومية السبيل للتصدي للآفة
* حملة “غراس” ضد المخدرات رائدة وناجحة والعجز المالي أحبط فريقها
* تأسيس صندوق يمول أنشطة التصدي للآفة بمشاركة الجمعيات وبيت الزكاة

كتبت – ايناس عوض:

أرقام صادمة، كشفت عنها احصاءات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية، تشير الى ان عدد المدمنين على المخدرات في البلاد يربو على 40 الف مدمن، فيما أكدت مصادر طبية ومؤسسات علاجية أن “كلفة علاج المدمن في الكويت تبدأ من ستة آلاف دينار وتصل الى 150 الفا سنوياً، وفقا لدرجة الإدمان والبرنامج العلاجي المتبع”.
وقالت المصادر لـ”السياسة” ان “المتوسط لكلفة العلاج يبلغ 66500 دينار سنوياً، ما يعني ان الكلفة الاجمالية لعلاج كل هؤلاء قد تصل الى مليارين و660 مليون دينار، أي ما يعادل تسعة مليارات دولار أميركي”.
واضافت ان هذه الكلفة المرتفعة “تساوي ميزانيات بعض الدول، الا انها في الكويت تشكل معول هدم للاقتصاد الوطني”.
ووفقا لاحصاءات ودراسات حديثة، فإن تكلفة علاج الإدمان على المخدرات ترتفع في دول الخليج عموماً، مقارنة ببعض الدول العربية، مثل مصر والأردن ولبنان.
ورغم توافر العلاج المجاني للإدمان في مراكز تابعة للقطاع الحكومي في الكويت، الا أن الاحصاءات والدراسات تشير الى تدني نسب نجاح العلاج، اذ لا تتعدى نحو 15 في المئة، بينما تصل نسب الفشل وانتكاس المريض المدمن مرة أخرى الى 85 في المئة.
واستمزجت “السياسة”، في التحقيق التالي، آراء عدد من الأطباء والمتخصصين والإعلاميين، والذين أكدوا أن الآفة بحاجة الى تعاضد المجتمع وتكاتف عناصره الأهلية والحكومية، للقضاء عليها، لافتين الى أن الأرقام الواردة في الاحصاءات الأخيرة تنذر بمخاطر جمة، خصوصا أن ضحايا المخدرات هم من الشباب المعتبرين عمادا للمجتمع وعنوانا لنهضته ونمائه.
وبينما أوضحوا ان عوامل عديدة تقود الى الإدمان، بينها التفكك الأسري ومرافقة أصدقاء السوء، ذكروا أن تأثيرات جائحة “كورونا” كانت شديدة الضراوة على شباب البلاد، وساهمت في ارتفاع نسبة الجريمة المرتبطة بالممنوعات في المجتمع… التفاصيل في ما يلي:

حدد استشاري العلاج والتأهيل النفسي الدكتور عباس الطراح، سبعة أسباب تدفع الفرد الى الادمان هي: الشعور بالتهديد المستمر، والحزن والاكتئاب نتيجة خبرات سابقة، والشعور بالفشل والإحباط والعدوان، ومعاناة المدمن من الشعور بالعداء تجاه نفسه على مستوى اللاشعور وما يؤدي ذلك القلق والاثم والذنب، ونزعة خفض التوتر لدى المدمن والتخفيف من حدة آلامه وانفعالاته، كالغضب والشعور بالراحة، مع أن التوتر يظل قائما ويتزايد”.
وأضاف الطراح أن “أصدقاء السوء أحد مصادر الحصول على المخدرات، كما أن ضعف الوازع الديني وحب التجربة والتقليد، إضافة الى التفكك الأسري، وسوء اختيار الأصدقاء والاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا الحديثة، كلها اسباب تدفع إلى التعاطي”.
وشدد الطراح على أهمية دور الأسرة في حماية أبنائها من رفقاء السوء المدمنين، موضحاً أنه جراء الرغبة في حب الاستطلاع والتعرف على مذاق المخدر أو الامتثال لأصدقائه يبدأ المراهق او الشاب الإدمان بمادة مخدرة بسيطة ثم يتدرج الى المواد شديدة التأثير كالهيرويين، كأن يبدأ الحدث الجانح بالكحول ثم الحشيش ثم المسكنات والمنومات وينتهي به الأمر بالهيرويين.
وفي تفسيره للعلاقة بين الادمان والجريمة حدد الطراح عدداً من العوامل التي تتحكم بهما ومن أبرزها، ضعف القوة الادراكية والمعرفية التي تدفع المدن لارتكاب الجريمة، اذ لا يدرك عواقب الأمور على وضعها الصحيح، والاضطرابات العقلية والنفسية والسلوكية، وتحديداً القهر الذي يسبق رغبة المدمن في الحصول على المخدر، ووقوع المدمن في ضائقة مالية تحول بينه وبين القدرة على شراء المخدرات، اضافة الى تورط العديد من الأحداث والشباب في أنشطة عصابية لارتكاب الجرائم.

تفشي العنف وتأثير الجائحة
وفي ما يتعلق بتأثير جائحة كورونا على ارتفاع معدلات الجريمة والعنف في البلاد، أوضح الطراح ان الظروف المحيطة بالعالم، بوجه عام، والكويت خصوصاً، بسبب تداعيات تأثير جائحة كورونا على نواحي الحياة المختلفة، زادت من شدة وحدة الضغوط النفسية التي يواجهها الانسان، بالتزامن مع عدم توافر البيئات الترفيهية والتجمعات التي كانت تكتظ بالسكان.
وقال إنه نتيجة لتلك المعطيات، ظهرت سلوكيات سلبية عديدة على عدد كبير من الأفراد، بينها العنف تجاه الآخرين، والذي يعد نوعاً من التنفيس غير السوي لما يتركه من آثار سلبية، لافتا الى عوامل أخرى ساهمت في تفاقم الجرائم المرتبطة بآفة المخدرات خلال الجائحة، كالبطالة وفقدان الوظيفة، والعنف الاسري وتداعياته على الابناء، والمخاوف المرتبطة بالجائحة ذاتها كالاصابة بالمرض، وفقدان أحد الوالدين والخوف من دخول المستشفيات وغرف العناية المركزة.
واختتم الطراح بتحديد مجموعة من العوامل التي تسهم في مواجهة الجريمة ومعالجة تفشي العنف في المجتمع، منها وسائل مكافحة العنف الطويلة الامد لتربية وتغذية السلوك المقبول اجتماعيا، والتحكم في الغضب وادارة الانفعالات، اضافة الى تغيير الظروف البيئية المحيطة بالفرد وتنمية الشعور بالمسؤولية وإعطاء الفرد دورا واضحا في المجتمع من خلال توفير الوظائف وتحسين ظروفه المادية والمعنوية والحياة الكريمة للأفراد وتنمية الأنشطة الإيجابية في المدارس ومراكز الرياضة والابداع.

الضحايا في ازدياد
بدورها أكدت استشارية علاج الادمان في مركز نجاحات للاستشارات النفسية والاجتماعية د.غنيمة حبيب كرم، أن ضحايا الادمان في ازدياد، مستشهدة بنتائج إحصائية حديثة كشفت عنها مصادر مسؤولة في وزارة الصحة ابريل الماضي، بينت أن عدد الحالات التي دخلت مركز الإدمان في الكويت خلال 2020 بلغت 1934 حالة، أي بأعداد تفوق عن الحالات المسجلة في 2019 بما يزيد 1000 حالة.
ولفتت كرم الى ان الاحصاءات تثبت زيادة عدد جرائم القتل والعنف ـ التي يكون أحد أسبابها تعاطي مرتكبيها للمخدرات ـ خلال العام الماضي نحو 20 جريمة قتل و900 حالة اعتداء، ما يدل على أن جائحة كورونا ساهمت في زيادة معدلات مدمني المخدرات، نتيجة الضغوطات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وتأثيراتها السلبية عليهم، فضلا عن ارتفاع المعرضين للضغوط النفسية على المتعافين من الإدمان من ناحية أخرى، الذين يعانون من القلق والتوتر نظرا للإغلاق والحظر الجزئي والكلي وتقييد الحريات، وأحيانا من قلة فرص العمل ومصادر الدخل، حيث بات الكثير من شبابنا اليوم ضحايا جددا لتلك الأزمة المستجدة، التي أوجدت زيادة في معدلاتها عما كانت عليه في السابق وأثّر سلبا على الجميع.
وقالت إنه لا يمر علينا يوم دون قراءة خبر في الصحف عن حالات تعاطي مخدرات أو ارتكاب عنف، وصرنا نسمع عن مقتل شخص، وطعن آخر ومشاجرة دامية وضرب وانتحار بشكل مخيف وبطرق بشعة، ناهيك عن التطاول على رجال الأمن، فكل ذلك نتيجة طبيعية بسبب الأوضاع المستجدة واستمرار الضغوطات، وتوفر حصولهم على أنواع كثيرة من المخدرات والمهلوسات.
وأوضحت أن الشباب أصبحوا ضحايا لهذا السم القاتل، خاصة في ظل غياب الحلول التي تساعدهم على تخطي الضغوط النفسية التي يواجهونها، فأصبحوا فريسة سهلة لمروجيها، مشيرة الى ارتفاع عمليات تهريب السموم في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ وخطير، ما يتطلب من المسؤولين وضع آليات جديدة للحدّ منها، كما يفرض علينا الوقوف بشكل جدي وحازم للتصدي لتلك المشكلة الخطيرة التي يذهب ضحيتها شبابنا، فمشكلة انتشار المخدرات بينهم تستحق الدراسة والبحث حتى لا تتحول إلى كارثة يصعب التعامل معها في المستقبل.
وشددت على أن المسؤلين في الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، تقع على عاتقهم المسؤولية الأكبر، فلا بد من تكريس الجهود للبحث عن حلول جذرية للقضاء على المشكلة لاحتواء جيل المستقبل وحمايته، مع إعادة النظر في القوانين والتشريعات، ومنح تراخيص للقطاع الخاص لإنشاء مصحات علاجية تسهم بشكل كبير في إنقاذ وإعانة من سقطوا فريسة للسم القاتل، ولا ننسى دور الأسرة وأولياء الأمور، فعليهم كسر الحواجز النفسية بينهم وبين أبنائهم، فيتقربوا منهم، ويشعروهم بالأمن والأمان، ويتفهموا طبيعة اختلاف شخصياتهم وفترات أعمارهم، يحاوروهم ويستمعوا لهمومهم الصغيرة ومشكلاتهم البسيطة وأحلامهم الكبيرة، خاصة في ظل عدم وجود سبل للترفيه عن أنفسهم وتفريغ طاقتهم السلبية والملل والضجر وعدم انشغالهم بأجواء الدراسة التي كانت تأخذ من وقتهم الكثير فلنكن العون والأمان والسند لأبنائنا، ونعمل على حمايتهم وإيجاد حل لمعاناتهم حتى لا يكون هناك ضحايا جدد تضاف أرقامهم للضحايا القدامى.. فشبابنا هم الحاضر والمستقبل.

قرع الجرس
الكاتبة إقبال الأحمد شكلت مع مجموعة من المثقفين والمتخصصين حملة للتوعية بمخاطر الادمان وآثاره السلبية على المجتمع الكويتي خصوصاً، استهلت حديثها بالاشارة الى الارقام التي تضمنتها آخر الاحصاءات الصادرة عن الادارة العامة لمكافحة المخدرات في البلاد ووزارة الصحة، والتي أكدت وجود 40 ألف مدمن في الكويت،‎‏ وان المخدرات وراء %65 من الجرائم في البلاد، ‎فكل 50 قضية تنظرها الأجهزة الأمنية يكون بينها 35 قضية مخدرات.
وقالت الأحمد: أين دور السلطات المختصة بحماية الأمن والقانون، أمام هذه الأرقام المرعبة والمخيفة في بلد صغير بتعداده.
وشددت على أن الأمر يتطلب تركيزا أقوى واهتماماً أكبر، لاسيما ما يختص بالتوعية بمخاطر هذه الآفة.
‎وأردفت: للمجتمع دور مهم للغاية، ولا يقل عن دور الحكومة، لاسيما منظمات المجتمع المدني وخصوصا من تملك ميزانيات كبيرة وضخمة مثل الجمعيات الدينية، في المحافظة على القيم بجهود التوعية.
ولفتت الاحمد الى أنها تشعر بالفخر وخيبة الأمل بنفس الوقت، كونها كانت ضمن فريق متطوع منذ سنوات طويلة يجاهد في سبيل التصدي للمخدرات وحماية الشباب من هذه الافة، الا ان العجز المالي أعاق استئناف الفريق لعمله، مبينة أن حملة (غراس) ضد المخدرات كانت رائدة، وكان لها صدى جميل وواسع داخل الكويت ومنطقة الخليج، وكانت تحظى بدعم قوي من وزارة الداخلية وبعض الجهات الاخرى، وأثمرت الحملة الناجحة تحقيق رد فعل ايجابي محليا وخليجيا وعربيا، حتى ان بعض الدول الخليجية استنسخت التجربة ورصدت لها اموالا ضخمة لمحاربة المخدرات.
ودعت الى تكاتف الجمعيات الدينية وغير الدينية وبيت الزكاة وكل جهة تستطيع المشاركة والمساهمة في صندوق يمول انشطة التصدي لهذه الافة، لان ضحايا المخدرات هم ابناؤنا وشبابنا بكل انتماءاتهم، وضحايا هؤلاء هم ايضا من يعيش على هذه الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *