ثقافة العمل

لطالما كنت مؤمنة بقدرات شبابنا على العطاء والإبداع والتميز، وطالما كتبت عن ذلك وطالبت بتوفير حاضنات للمبدعين منهم ومنحهم الفرصة لإكمال مسيرة النجاح والتميز، لكني اليوم أود أن أتحدث عن فئة أخرى من شبابنا، الذين لا تقل أهميتهم عن غيرهم في العطاء ورفد المجتمع باحتياجاته المتنوعة، تلك الفئة التي لم يكن لها التحصيل الأكاديمي الوافر، حيث تمثل مع الفائقين حالة تكاملية في العمل المجتمعي، فالمبدعون من شبابنا تتوقف قدراتهم عند حد ما أو في جانب معين، وليس بقدرتهم على تقديم كل المطلوب من عمل، وهذا التنوع في القدرات أساس بناء المجتمعات المتقدمة وعماد نجاحها.

فالبعض ينظر للأعمال المساندة بأنها أعمال تنقص من مكانته الاجتماعية ، ويتناسى بأن دوره مهم جدا، ويستطيع أن يقدم لمجتمعه ما يحتاجه ضمن قدراته الخاصة وفي المجال الذي يحتاجه، فالتباين في القدرات وتنوعها أمر طبيعي، وحاجة أي مجتمع من الخدمات متنوعة في طبيعتها كالميكانيكي والنجار والكهربائي أمر لا بد منه، وعلينا كأفراد تأمين تلك الاحتياجات، وأن نسعى لسد هذه الحاجة لا أن نختار العمل المريح والسعي لإشغال المناصب دون أن تتوفر لدينا القدرة على إشغالها.

وتتصدر الأسرة الجهات المسئولة، فأنا أرى أننا مقصرين – نحن أولياء الأمور من آباء وأمهات- في غرس ثقافة العمل حسب قدرات أبنائنا، فأغلبنا يريد لأبنائه مستقبلا واعدا من النجاح والتميز، لكننا للأسف لدينا ثقافة مغلوطة بأن النجاح والتميز لا يتأتى سوى بالوصول للمناصب الإدارية ، ونتناسى بأن المجتمع يحتاج لأيدينا في أماكن ومجالات متعددة.

وفي المقابل على كافة الجهات الأخرى في القطاعين العام والخاص العمل توفير قاعدة توعوية عن طريق المحاضرات والندوات وورش العمل والحلقات النقاشية وغيرها والبرامج الأخرى تلفزيونية وإذاعية، كل ذلك بالإضافة لتخصيص معاهد التدريب، ومن ثم توفير فرص التطبيق في المؤسسات الحكومية والخاصة.

ولأن توعية المجتمع بأهمية العمل والتنوع فيه غير كافية ولا تمثل سوى جانبا نظريا بعيدا عن الواقع، فإن التشجيع على العمل اليدوي والميداني من خلال خلق فرص العمل وتخصيص الحوافز الإضافية قد يشكل خطوة هامة في تعديل المفاهيم لدى الأفراد والأسر. فالتنوع ضرورة هامة في بناء المجتمع، فلا يمكن للأطباء والمهندسين والمحامين والقياديين، الاستغناء عن الوظائف المساندة التي تساعدهم على انجاز عملهم على أكمل وجه، لذا علينا جميعا أن نعيد النظر فيما تجذر في نفوسنا من مفاهيم مغلوطة ليتسنى لنا متابعة المسيرة نحو تنمية المجتمع والارتقاء به بسواعد أبنائنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *