حياء تطرق أبواب المراهقين

المراهق يبحث عن ذاته.. فلنساعده

هموم المراهقين…من يحتضنها

إذا غابت الرؤية.. تضاعف العمى

في المراهقة..إبداع

تحتاج مرحلة المراهقة التي يمر بها كل فتى وفتاة إلى عناية متميزة وتوجيه خاص،
فمسيرة الإنسان قد تتحدد من خلال هذه المرحلة، فإذا كانت موجهة بصورة صحيحة، فإن أثر هذا التوجيه سينعكس على بقية مراحل العمر، ومن الممكن أن يخسر المراهق بعض حياته لو ظل يعيشها من وراء ستار القلق من المستقبل، أو عاش يكتم بين حوائجه كل الآراء، بحيث لا يستطيع التعبير عنها إلا همسا أو في صورة من صور السلوك المنحرفة أو المتطرفة.


      ولأن هذه الفترة مشرقة ومليئة بالحياة والحيوية فإنه يمكن توظيف طاقات المراهق التوظيف السليم مع الاعتراف به كقوة هائلة تصنع الأمل في المستقبل، ولنضعه في أولى درجات الموهبة ونساعده على اكتشاف قدراته الإبداعية الكامنة.

لا شك بأن الموهبة والإبداع عطية الله تعالى لجل الناس، وبذرة كامنة مودعة في الأعماق، تنمو وتثمر أو تذبل وتموت، كل حسب بيئته الثقافية ووسطه الاجتماعي. والله عز وجل ـ ولحكمته البالغة ـ خلق لكل إنسان قدرة وموهبة تختلف عن الآخر، وعلينا نحن اكتشاف تلك المواهب والقدرات وتحقيقها على أرض الواقع واستثمارها في صالح الإنسان ومجتمعه، لأن تلك القدرات والمواهب في حال استثمارها ستكون لدينا منظومة متكاملة من الأخلاق والقيم، وتهيئ لنا بيئة خصبة للإبداع والتميز في جميع المجالات. وقديما،لإبداع بأكثر مراحله تطورا بالعبقرية والتي هي تمازج بين الذكاء والموهبة والجرأة في اقتحام مجالات لم يسبق لأحد اقتحامها.

وقديما، عرّف الإبداع بأنه هو ابتكار الشيء على غير مثال سابق، كما تنبه العرب إلى أهمية الإبداع مبكرا، فمنهم من ألّف عن الأذكياء لما للذكاء من علاقة وطيدة بالإبداع، مثل ابن الجوزي وكتابه ” الأذكياء ”    

الإبداع إرادة وإمكانات وثروة تهدرها مجتمعاتنا.

ومما لا شك فيه أن المبدعين هم ثروة الأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهم النجوم التي تضيء غياهب التخلف، ذلك أن عقولهم تخترق حواجز التقليد، فبقدر ما تنجح أمة في الكشف عن الطاقات الإبداعية لأبنائها والإفادة منها، تكون أمة متقدمة ومتطورة حضاريا.

ولأن فئة المراهقين تضم كثيرا من المبدعين، ولأهمية وفاعلية هذه الفئة في المجتمعات، فيجب أن نوليها أهمية بالغة وعناية فائقة، فالمراهق يخضع ـ غالبا ـ لتقلبات مزاجية ظاهرة وخفية، ويتصف بالعصبية الزائدة وبسببها يندفع إلى سلوكيات فيها نوع من العدوانية. ونحن – الآباء – لا نحسن التعامل معه إلا بعد إدراك صفاته ورغباته وميوله.  كما إن تعزيز الصفات الإيجابية لدى المراهق يدفعه إلى العمل، ويحقق الثقة بالنفس والتعامل مع مجتمعه، لأن الكشف عن منظومة الإبداع والتفوق والتميز أصبح أمرا ممكنا وبأساليب متاحة سواء للآباء أو المعلمين أو المتخصصين من التربويين والنفسانيين وسواهم.

مواهب المراهقين وإبداعاتهم كنوز مدفونة.. من يكتشفها ؟

لقد اعتنت الدراسات المتخصصة ـ متأخرا ـ بمرحلة المراهقة، حيث تشير أحدث الدراسات بأن نسبة المبدعين الموهوبين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة تصل نحو 90 %، وعندما يصل الأطفال لسن السابعة تنخفض نسبة المبدعين منهم إلى 10 %، وما أن يصلوا لسن الثامنة حتى تصل إلى 2 %، وهو ما يشير إلى أن أنظمة التعليم والأعراف الاجتماعية تعمل عملها في إجهاض المواهب وطمس معالمها، مع أنها كانت قادرة على الحفاظ عليها، بل تطويرها وتنميتها أيضا، واكتشاف كنوزها واستثمارها.

المراهقون أكثر تفاؤلا بالمستقبل من أهلهم، وما يجرحهم هو تعميم بعض الحالات عليهم

أشارت نتائج دراسة أعدتها مؤسسة ايبسوس ـ وهي من أكبر مؤسسات استطلاع الرأي في فرنسا ـ حول المراهقين بمناسبة انعقاد المنتدى الثالث للمراهقين، الذي عقد في باريس مؤخرا، إلى أن المراهقين أكثر تفاؤلا بالمستقبل من أهلهم شرط منحهم الثقة، وهم يخشون الإصابة بعدوى التشاؤم، وأن مطالبهم تتمحور حول النظام والحوار والأمن، وأن أكثر ما يجرحهم هو تعميم بعض الحالات عليهم وأكثر ما يطمئنهم المرح والفكاهة.

اللجنة الوطنية المشتركة لرعاية النشاط ألابتكاري تعهدت رعاية الإبداع عند المتفوقين في الكويت. ولكن، أين الإنجازات ؟؟!

وهنا في الكويت تحرص اللجنة الوطنية المشتركة لرعاية النشاط ألابتكاري التابعة لوزارة التربية على رعاية الإبداع عند المتفوقين, حيث كان أحد أهداف القرار الوزاري رقم (178) لسنة 1993 بإنشاء مجلس التربية الخاصة هو وضع الاستراتيجية والخطط ورسم السياسة ذات العلاقة برعاية الموهوبين والمتفوقين.

          لكن الجنوح العدوان لدى المراهقين يبقى هو هاجس الجميع من أولياء أمور أو تربويين، وتشير دراسة أعدتها إدارة الإحصاء والبحوث في وزارة العدل من ارتفاع مؤشرات السلوك العدواني وتزايد معدلات العنف لدى الأحداث، فتحت عنوان ” العدل ” تدق ناقوس الخطر، نشر في جريدة القبس بعددها 12199 الصادر يوم السبت الموافق 19 مايو 2007، أكدت الدراسة التي بنيت على مسح شامل على جرائم الأحداث خلال الفترة من2001 إلى 2005، وأكدت أن الذكور هم الأكثر عددا في ارتكاب الجرائم من الإناث حيث بلغ عددهم خلال الفترة المذكورة 13395 حدثا، وبنسبة 93.2 %، بينما بلغ عدد الإناث 983 حدثا، وبنسبة 6.8 %. وأن توزيع مرتكبي الجرائم حسب الفئات العمرية بين 15 ـ 18 عاما يبلغ 713 حدثا، بنسبة 74.5%%، بينما بلغ عدد الذين ارتكبوا جرائم قبل أن بلغوا 15 عاما 3665 حدثا، وبنسبة 25.5 %. 

قانون الأحداث في الكويت لا يتلاءم مع المتغيرات التي شهدها المجتمع.

ومن جهته قال المحامي علي الدويلة إن قانون الأحداث رقم (3) لعام 1983 لا يتلاءم مع المتغيرات التي شهدها المجتمع الكويتي منذ فترة الثمانينيات إلى يومنا هذا كونه صادرا في حقبة زمنية مضى عليها أكثر من 30 عاما، مؤكدا وجود خلل كبير في القانون أدى بدوره إلى ارتفاع نسبة العنف لدى المراهقين. وبين أن محكمة الأحداث مقتصرة على درجة واحدة من درجات التقاضي، في حين نجد أن كل دول العالم المتحضرة لديها محاكم مختصة بقضايا الأحداث وبدرجات مختلفة، وأوضح أن ثمة فجوة في نظام العقوبات المطبق بحقهم، وأن تساهل القانون وعدم قدرته على ردع المنحرفين أعاد إلى بعض المناطق أعرافا قديمة كانت سائدة في الأزمنة الغابرة كـ”العين بالعين”، وفرض قانونهم الخاص على بعضهم البعض، وهذا ما يحدث بين المراهقين

وقال الدكتور في علم النفس بكلية الآداب بجامعة الكويت إبراهيم الخليفي إن سلوك المراهق يتأثر بالبيئة بشكل مباشر، فمتى كان هناك توافق ما بين الأسرة والمدرسة استطعنا أن نحصن المراهق من مخاطر الانحراف، وأضاف الخليفي أن تعقيدات الحياة الحديثة جعلت الأب يضع جل اهتمامه في توفير الحاجات الأساسية لأسرته كالمأكل والمشرب والكسوة وما إلى ذلك، ونسي دوره التربوي ما جعل الأولاد عرضة للضياع واكتساب أنماط سلوكية منحرفة.

ومن هنا فنحن نرى أن إعادة صياغة أو تنقيح تلك القوانين بما يتلاءم مع متغيرات العصر ومفاهيم التربية الحديثة أمر ضروري حتى يمكن المحافظة على الأحداث وتقويم سلوكهم، لنصل بهم إلى مرحلة الإصلاح وفقا لقوانين تساعدنا في مهامنا. مع تأكيدنا على الحرص بعدم السماح باختلاط الأحداث في مجاميع واحدة دون النظر إلى جنحهم التي ارتكبوها وتفاوتها من حيث الخطورة، وأثرها السلبي على شخصيته ومجتمعه مستقبلا.

رأي علم النفس والاجتماع

وتؤكد الدكتورة  سعاد البشر(استشارية نفسية واجتماعية) رأي الخليفي ، إذ قالت بأن هناك أمرين لا ثالث لهما يؤثران على السلوك الإنساني هما الوراثة والبيئة، فالسلوك السلبي والمنحرف والجانح يكون جزء منه موروثا، فالآباء الجانحين غالبا ما يورثون تلك الصفة لأبنائهم، وعلى الرغم من هذه الحقيقة العلمية، إلا أن هذا السلوك المنحرف والمورث لا يظهر إلا إذا توفرت له الظروف البيئية المناسبة التي تساعد على ظهوره، ومن هنا نلاحظ أن البيئة المحيطة بالمراهق تلعب دورا هاما ورئيسا على استثارة هذه المورثات وتساعدها على الظهور، إلا أنه في المقابل نرى أن العوامل البيئية قد تؤثر كذلك على المراهقين الذين ليس لديهم أي جينات جانحة موروثة، ولكنهم مروا بظروف بيئية ساعدتهم على أن يسلكوا بطريقة منحرفة، ولذلك فعلينا أن ننتبه إلى هذه العوامل البيئية التي أدت بهم إلى الانحراف، ومنها سوء معاملة الولد في الطفولة، والبيئة الأسرية الممتلئة بالمشاحنات بين الوالدين بعضهم بعضا وبين الأخوة وبين الآباء وأبناءهم، والتنشئة الاجتماعية المختلة والمتناقضة، وأصحاب السوء، ووسائل الإعلام، والانحلال الأخلاقي، إضافة إلى عدم التوجيه والنصح الذي يحتاج إليه المراهق. وركزت الدكتورة سعاد على أن التربية الأسرية هي العمود الرئيسي والمقوم الأساسي في تكوين الشخصية وفي رؤية الحق من الباطل، وفي توجيه المراهق، فتكوين علاقة بين الأبوين وأبناءهم من الصغر القائمة على الحب والأمان والترابط تؤدي إلى الصحة النفسية وعدم التعرض للمشكلات في المستقبل.

المسؤولية على من ؟؟ !

وأضافت البشر حول كيفية تحويل السلوك العدائي السلبي إلى أسلوب إبداعي عند المراهقين، فأكدت على أن الأبناء أولا مسئولية الآباء، فقد قال تعالى:”يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة” سورة التحريم:6، فالآباء هم الذين يحمون الأبناء ويقونهم شر النار والعياذ بالله منها، وهم الذين قد يتركونهم عرضة ووقود لها، وهناك طرق عديدة تساعد على فتحويل السلوك السلبي إلى إيجابي وهي:

ـ التقرب إلى المراهق وفتح باب الحوار معه.

ـ خلق جو من الأمان في المعاملة معه.

ـ حصر جميع السلوكيات العدوانية التي يقوم بها من خلال حواره ومناقشته، ليحدد لنا هو بنفسه السلوكيات السلبية وأسباب القيام بها.

         وأكدت أن المسئولية لا تتوقف عند حدود الأسرة، بل تتعدى ذلك لتصل إلى  كل من المؤسسات التربوية والتعليمية ووزارة الشئون الاجتماعية والهيئة العامة للشباب والرياضة. هل الكلام مازال للدكتورة سهاد

مسئولية المؤسسات التربوية والتعليمية (المدارس والنوادي الصيفية وجمعيات النفع العام)           لهذه المؤسسات دور بارز ومهم في تقويم سلوك المراهق، فهي المتنفس الذي من خلاله يستطيع المراهق أن يبرز شخصيته، ويستخرج مكنوناته الداخلية، ويعبر عن شعوره وما يحبه بطريقة فيها شيء من الحرية، وذلك لأنه يعيش بين مجموعة من أقرانه الذين يتشابهون معه في العديد من المجالات، ولذلك نراه يبدع ويفكر ويتصرف بطريقة مفتوحة لا توجد بها قيود، كما أن هذه المؤسسات توظف رؤساء مختصين في مجال التعامل مع المراهق يعرفون حاجاته ويحاولون إشباعها من خلال النشاطات المستمرة التي تقدمها لهم.

والمسئولية وزارة الشئون الاجتماعية والهيئة العامة للشباب والرياضة

          إن الهيئة العامة للشباب والرياضة تعمل مشكورة على إنجاح دورها وعلى إقامة العديد من النشاطات خلال السنة لتقدم شيئا للمراهق وللشاب والطفل أيضا، لكن دورها متواضع وغير فعال، وهي تحتاج إلى الدعم المستمر ماديا ومعنويا حتى تتطور لتواكب النمو الحضاري والتكنولوجي السريع الذي يحدث في العالم الآن، وهي بحاجة إلى توفير خطط سنوية يقوم على إعدادها المختصين في مجال التربية وعلم النفس من جهة، وكذلك مختصين في مجال الرياضة والإبداع من جهة أخرى حتى يحدث تكامل في تقديم النشاطات للشباب.

وقد اقترح الدكتور عبدالمنعم المليجي (الأخصائي في الاستشارات النفسانية من مصر)، في دراسته التي أجراها مؤخرا تصنيفا للمراهقين حسب الاتجاه الديني، الذي قسّمه إلى أربعة فئات، تبدأ من فئة تأخذ بقواعد الدين حرفيا، ثم فئة تأخذ الدين بجدية أكثر، تليها فئة تأخذ الدين جديا، لتنتهي بفئة تنكر الدين انكارا صريحا، ويقول بأن الحل يأتي بإدراكنا لكيفية وطريقة التعامل مع كل فئة من من منظورها الديني والاجتماعي والنفسي، وبمشاركة التربويين وأهل العلم والاجتماع، لنستطيع وضع الأسس السليمة التي يمكن على أساسها تنشئة جيل سوي مهيئ للإبداع و خالي من الانحرافات.

شكر… وعتب …

ونحن في حياء، وإن كنا نتوجه بالشكر والتقدير لدور المؤسسات المختصة في تكريم المبدعين مثل مؤسسة الكويت للتقدم العلمي والمركز العلمي واللجنة الوطنية المشتركة لرعاية النشاط ألابتكاري وغيرهم، إلا أننا نعتب لوجود أوجه القصور الملاحظ في دورهم، فأين الخطط الموضوعة لتبني المبدعين؟! وما هي إنجازاتهم ؟ وأين السياسات المتبعة للأخذ بيد المواهب؟! بل وأين المعايير الموضوعة من قبلهم لاستكشاف العباقرة ؟! كل هذه التساؤلات تبقى قائمة ومطروحة.

كما نعتب أيضا على المؤسسات الإعلامية وأدواتها في تركيزها على مشاكل وسلبيات المراهقين وجنوحهم وانحرافاتهم، وتجاهلها بعض الشيء لنواحي الإبداع والموهبة لديهم، أو توفير برامج تساعد في إظهار قدرات المراهقين الإبداعية. وفي الختام، نحن مدعوون في العالم العربي عموما، وفي الكويت على وجه الخصوص إلى تطوير أعمق لثقافــة الأعمال الإبداعية عن طريق تطوير بيئة عمل تسهل لنمو الأعمال، وتشجع على الابتكـــار و دعم الأعمال الإبداعية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *