إن الشباب هم الركيزة الأساسية لبناء الوطن وتطوره وازدهاره كونهم نصف الحاضر وكل المستقبل، ولطالما اهتم بهم الإسلام اهتماما عظيما، لأنهم عصب الأمة ورجالها، فهم سيحملون عبء مسؤولية تنمية مجتمعاتهم على أكتافهم، بعد أن اثبتوا على مر العصور بأنهم من أقوى العناصر فاعلية في المجتمع، كونهم ركيزة يمكن الاعتماد عليها لتساهم في حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على استقرار ذلك المجتمع.
وحتى يستطيع الشباب القيام بتلك المسئولية يجب أن تتوافر له جملة من الشروط، أبرزها تهيئته ليكون عنصراً مهماً في الحياة الاجتماعية ليبدأ بإعادة هيكلة شاملة لذاته، من خلال التركيز على مساعدتهم لإبراز إبداعاتهم ودعمها، وقيام المؤسسات المعنية بإشراك الشباب في عملية الحوار وصنع القرار، ودفعهم إلى تحمل المسئولية في مواجهة مشاكل المجتمع ومحاولة إيجاد حلول لها، ودعم أنشطة الشباب التي تبرز دورهم الفاعل والرئيس في العملية التنموية، وتعزيز الثقة بقدرتهم على تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية، من خلال إعادة بناء النظام التعليمي الذي الهادف لغرس الثقافة السياسية لدى النشء ويعززها، والعمل الجاد على توفير مخرجات التعليم وفق متطلبات السوق، ليتمكن الشباب من ممارسة دوره في بناء المجتمع وتنميته.
إلا أننا نرى أن الشباب العربي عبر أجيال مضت يعاني حالة من انعدام الثقة بالنفس في وطنه مما دفعه للإحساس بالسلبية والإحباط، بسبب استهزاء حكومات تلك الدول بالقوة الفكرية التي يتمتعون بها في محاولة منهم لطمس أو تهميش أدوارهم، إلى أن جاء التغيير الذي أحدثه شباب بعض الدول العربية عام 2011 الذي أبهر العالم العربي بل والعالم أجمع وذلك عبر الثورات التي حطمت جدران الصمت لديهم، في محاولة منهم لاسترداد ما تم سلبه منهم من حقوق، فأصبحوا قادرين على مواجهة الأنطمة المستبدة، واتخذوا من رفضهم راية وشعا
إن ذلك التغيير الذي سمي بالربيع العربي والذي مازالت آثاره مستمرة في تلك الدول، قد أخرج الشباب في كافة الدول العربية من سباتهم الطويل، ومن المؤكد بأن أحداثه تركت بصمة مهمة في تاريخ العالم العربي، مفادها أن الشباب قادر على الوقوف ضد الاستبداد رافضا وجود مثل تلك الأنظمة لتحدد مصيره، متطلعا بذلك لواقع أفضل. ولم يكتفي الشباب بإنجاح ثورات الربيع العربي، بل استمروا في العمل على إحداث التغيير الشامل في جميع الأصعدة بمجتمعاتهم، حتى استطاعوا برفضهم هذا تصدير ثورتهم وفرضها على دول المنطقة المجاورة، فقد أعاد الربيع العربي الاعتبار لهم حين أصبح يؤخذ برأيهم في رسم مستقبل بلدهم .
وحتى تبدأ فئة الشباب بالمجتمع بممارسة دورها وتفعيله بشكل صحيح في المجتمع، عليها أن تتمتع بمقومات كنا قد أشرنا إلى بعضها في سياق المقال، وهي ما سيساعد الشباب على تحمل ثقل تلك المسئولية في المجتمع، ليتمكنوا من ممارسة دورهم الهام بثقة ودراية ومعرفة، خاصة بعد الكبت والحرمان الذي عانوا منه لعقود من الزمن، لذا فإنه من البديهي أن يكونوا عاجزين عن تحمل تلك المسؤولية، فهم بحاجة إلى مساندة من الرموز والقوى السياسية السابقة ذات الخبرة الطويلة في هذا المجال، الذين يتمتعون بمبادئ راسخة يعتمد عليها في تمكين الشباب ودعم مشاركتهم في عمليات صنع القرار على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، دون الرضوخ لأية ضغوط أو إملاء منهم لتنفيذ أجندات معينة لا تتفق مع متطلبات التغيير أو آثاره، فهي إذا رسالة موجهة إلى كافة الأنظمة السياسية في الدول العربية، لمد يد العون للشباب ومساندتهم، فقد قاموا بتلك الحركات التصحيحية لتبقى راسخة، ولابد من العمل على احتوائها من خلال تفعيل دور الشباب كي تقطف الأجيال القادمة ثمار تلك الإنجازات.