التعصب فرقة وقطيعة

حين يقال عن فرد ما بأنه متعصب نراه ينزعج ويعبر عن غضب شديد، وهي ردة فعل قد تكون طبيعية، لأن قيمنا وديننا وإنسانيتنا ترفض الغلو وتدعو لتجنبه، لكن ذلك قد لا ينفي تلك الصفة، فحقيقة وجود التعصب لدى الفرد هي حالة من اللاوعي، إذ لا يدرك الفرد ذلك، بل نراه في كثير من الأحيان يطلق الشعارات ضد التعصب والتطرف والغلو دون أن يعي بأن لديه سلوك يعكس تلك الحقيقة.

قال أحدهم لصديقه:” لا أراني مثلك” فضحك صديقه بصوت عال سائلا إياه:” كيف ترى نفسك إذن؟، أجابه:” أراني إنسانا مختلفا، فأنا لا أتبنى المبادئ الخاطئة كما تفعل أنت”، عندها همهم صديقه ثم قال:” بل أنت من يتبنى المفاهيم والمبادئ الخاطئة ولست أنا، فالمفاهيم والمبادئ التي أتبناها جميعها منبثقة من مجتمعي، وهي متوارثة لدينا وعلينا أن نحافظ عليها، ونتصرف وفقها”، “وما يدريك بأن تلك المفاهيم صائبة” أجابه صديقة، عندها تلاشت ملامح الود والألفة من وجهه وقال بصوت مرتفع:” كنت طوال حياتي أدرك بأنك متعصب ومتطرف لمبادئك، لكني لم أرد أن أفسد الود بيننا، وها أنت الآن تفضحك كلماتك”، ضحك صديقه قائلا:” بل أنا من كان يفعل ذلك، فعلى الرغم أني أعلم أنني على صواب، لم أرد يوما أن أصدمك بحقيقتك وميولك نحو التعصب والعداء”.

أطال التفكير في تلك الكلمات، هو يعلم بأن كل منهما يختلف عن الآخر في الكثير من الأمور، ومع أنها جزئيات بسيطة فهي تعني له الكثير، إذ تمثل سماته الفردية والجماعية، وتميزهم عن الآخرين، القضية بالنسبة إليه قضية وجود وإثبات ذات سواء كانت فردية أم جماعية، كيف يمكنه أن يحافظ على العلاقة مع صديقه الذي يحاول نكرانها عليه ويتهمه بالتعصب.

 التفت لصديقه قائلا:” الغريب أن تأتيك التهمة من صاحبها، فأنا لا أراك إلا كما وصفت، فسلوكك يفضح فكرك المتطرف وغلوك، ترى نفسك على صواب وأنت أبعد الناس عنه”، أثارت كلماته سخط صديقه، جعلته يخرج عن آداب الحوار، بدأ يسيء إليه ولجماعته بألفاظ نابية لم يعتدها من قبل، ولم يجد نفسه إلا مبادلا إياه السباب والشتائم، وأخيرا ذهب كل منهما في طريق مختلف، وكانت القطيعة.

لم يصدق كل من عرفهما أن تكون تلك النهاية بين صديقين عاشا السنين الطويلة من الود والمحبة والاحترام، وكان التعصب والغلو لدى كل منهما سببا في كراهية الآخر ومحاربته، إنها اختلافات بسيطة، مجرد جزئيات في عالم كبير من التوافق الذي يجمع بينهما، لكنها بالنسبة لكل منهما هامة، فهي سمات الذات وسمات الجماعة وخصوصياتها، وكان من الممكن لكل منهما أن يقدر خصوصيات الآخر ويحترمها، لأنهما يشتركان في معتقدات كثيرة، حيث تلتقي الجماعات في قيم ومفاهيم أكثر أهمية وقدسية، وتتفق في الأخلاق الاجتماعية والإنسانية، لكن الغلو في نفس كل واحد منهما أبى أن يقدر الآخر ويتقبله كما هو.

مثلت كلماتي السابقة حالة نعيشها وودت أن أضعها بين أيديكم تاركة لكم التأمل والتعليق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *