المانشيتات |
د. خالد الشلال: نسبة 72 % من الوالدين في الأسرة الكويتية تعاني من حالات الاغتراب الأسري. |
44.3 % من إجمالي العينة يشعرون بان الحياة الأسرية تخلو من المعاني الجميلة. |
د. القطان: الطلاق النفسي بين الزوجين هو السبب الرئيسي للمشكلة. |
هل من بارقة أمل في تحويل أوضاع الأسرة الكويتية من خانة الاغتراب إلى خانة الاقتراب.. |
غرس الأسس الدينية والقيم الأخلاقية، دعامة للأسرة وصيانة لها |
عاد (أحمد) من المدرسة فركض مسرعاً إلى غرفته بعد أن أمر الخادمة بإحضار طعام الغداء لغرفته، فيما شقيقه(علي) بعد أن ألقى التحية على والدته طلب تناول غداءه بعد أن يأخذ قسطا من الراحة، أما الأخت الكبرى( سلمى) فتظل كعادتها حبيسة غرفتها لساعات طويلة مفضلة التحدث مع صديقتها عبر الانترنت، فيما الأب يدخل المنزل بعد رجوعه من عمله وهو منهك القوى ليتناول غداءه سريعا دون أن ينبس بكلمة واحدة وبعدها يدخل لغرفته طالبا عدم إزعاجه لأخذ قسط من الراحة. ناهيك عن الأم المنصرفة عن مسئولياتها الأسرية.
تمثل الفقرة السابقة مشهدا من الواقع الأليم الذي تعيشه يوميا معظم الأسر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ويعد ذلك مظهرا من مظاهر الاغتراب الأسري، ذلك أننا العرب والمسلمين من المجتمعات التي تعني بالترابط الأسري بشكل خاص.
ونظرا لتعدد أنواع الاغتراب الأسري فإن هناك الكثير من المعاني التي تعبر عن ذلك المصطلح، ونحن على وشك تناوله كموضوع لطرحنا فلا بد لنا بداية من التعريف به، ونكتفي هنا بالقول بأن هذا المصطلح” الاغتراب الأسري” يعني افتقار الشخص إلى مهارات التواصل الاجتماعي وشعوره بالعزلة، وعدم قدرته على الاندماج والتأقلم مع المحيطين به، مما يولد لديه شعور بفقدان الانتماء إلى أسرته.
وفي محاولة للوقوف على مظاهر المشكلة وأبعادها وأسبابها، لوضع بعض الحلول لمعالجتها، كان لنا بعض اللقاءات مع عدد من الأسر الكويتية ، خرجنا منها بما يلي :
اللقاء الأول:
صفعة .. ومعاناة
تقول ليلى عيسى ـ متزوجة منذ 15 سنة وأم لثلاثة أبناء: أعمل وزوجي في القطاع الخاص، وبما أن عودة أبنائي للبيت من المدرسة تسبقنا بساعات مما يضطرنا ذلك إلى عدم الجلوس على مائدة واحدة معهم والتحدث بأمور حياتنا و مناقشة مشاكلهم، حتى جاء ذلك اليوم الذي تلقيت فيه اتصالا من المدرسة يخطرونني بأن أبني (11 عاما) قد قام بضرب زميله بالمدرسة لسبب تافه. وبعد اجتماعي مع الأخصائي الاجتماعي في المدرسة تبين لي بأن ابني يعاني من كبت وحرمان عاطفي، مما أدى لشعوره بالوحدة الذي انعكس في سلوكه العدواني. ولا أخفيكم سرا بأن هذه المشكلة كانت بمثابة صفعة أفاقتني من سبات عميق، بعد أن اعتقدت وزوجي بأننا والدان مثاليان وفرنا لأبنائها كل احتياجاتهم لنضمن لهم حياة مترفة.
اللقاء الثاني
أشعر بغربة …
أما حياة مسلم ـ زوجة وأم لخمسة أبناء في سن المراهقة فأفادت بأنها ربة بيت أفنت حياتها في المحافظة عليه ورعاية أبناءها، حيث فضّلت تربية أبنائها على العمل خارج المنزل مع أنها جامعية، وكانت من المتفوقات على قريناتها في الدراسة. وتقول بأنها بعد أن كبر أبناءها أصبحت تتمنى جلوسهم معها. أما زوجها فإن وجوده بالمنزل وعدمه سيان، حتى أصبح لديها قناعة بأنه يعتبر بأن البيت محطة يسترخي فيها لساعات. وبعد أن مضت عشرون عاما من حياتها الزوجية بدأت تشعر بأن تضحياتها ذهبت هباء في مهب الريح، وأصبحت تفقد السيطرة على زمام الأمور مع أفراد عائلتها، وباتت تشعر وكأنها غريبة بين زوجها وأولادها.
اللقاء الثالث
بعد نفسي مع الأبناء
ويقول جاسم العنزي ـ أنه تزوج قبل ثمانية عشر عاما وهو أب لولد وبنت بسن السابعة عشر والخامسة عشر، زوجته امرأة عاملة في القطاع الحكومي وحياته مستقرة، ولكن الذي يؤرقه الابتعاد النفسي بينه وبين أبنائه، فهو يحاول بقدر استطاعته التقرب منهم وقضاء العطل الأسبوعية معهم، إلا أنهم دائمو التهرب منه.
اللقاء الرابع
من السبب ؟؟
وعقّب صديقه علي الشمري ـ مؤيدا ذلك بقوله أنه أحيانا يقف عاجزا عن التفكير، لا يعلم هل هو المقصّر؟ أم أن العولمة والتطور التكنولوجي الرهيب هما السبب بذلك؟ علاوة على ذلك، فإنه بدأ يشعر بالوحدة بين زوجته وأبنائه.
اللقاء الخامس
افتقد التواصل مع والديّ..
عباس سالم 15 سنة ماذا يقول: أنا أحب والديّ وأهلي كثيرا، ولكني أفتقد التواصل معهم بسبب انشغالاتهم الدائمة وملاحظتي بأنهم لا يفهمونني، وعندما أضطر للتحدث لهما غالبا ما يحدث سوء تفاهم بيننا،
اللقاء السادس
تفكك أسرى يولد الحزن
وعطفا على ما جاء سابقا، أضافت عبير أحمد( 18 سنة): إنني أشعر بالحزن بسبب ما آلت إليه أسرتي من تفكك واغتراب، فكل منا مشغول بأموره الخاصة، وأصبحنا لا نلتقي إلا في المناسبات مما جعلني دائما أجلس وحدي.
دراسات تحذيرية
نسيج اجتماعي مهدد
في دراسة أكاديمية أعدها أستاذ الاجتماع والخدمة الاجتماعية في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتور خالد الشلال، وحملت عنوان ‘الاغتراب الأسري وأثره في تنمية أفراد الأسرة الكويتية، خلصت بإن نسبة 72 % من الوالدين في الأسرة الكويتية تعاني من حالات الاغتراب الأسري. حيث أجريت الدراسة على عينة قوامها 300 شخص من مختلف محافظات الكويت. وأوضحت أن ارتفاع نسبة الاغتراب الأسري لدى الآباء والأمهات الكويتيات له أثر فعال على إضعاف دورهم في التربية والتنشئة، ومقوماتها كجماعة اجتماعية يفترض فيها القدرة على إشباع حاجات أفرادها وتنميتهم، وأشارت الدراسة إلى إن 48.5% يشعرون بأنهم فاقدو السيطرة داخل الأسرة، وأن تأثيرهم ضعيف ويصعب عليهم توقع ردود أفعال بقية أفرادها. وأن 62% من الآباء والأمهات يشعرون بالعزلة عن الأسرة، على الرغم من وجودهم فيها، فهم يفتقدون العلاقة الوطيدة مع أفرادها، و44.3 % من إجمالي العينة يشعرون بأن الحياة الأسرية تخلو عن المعاني الجميلة وأن الحوار مع أفرادها أمر غير مجد.
الآثار الاجتماعية السالبة للاغتراب الأسري كيف يراها الدكتور الشلال:
وأضاف إن اغتراب الوالدين أو أحدهما عن الأسرة يعني افتقاد مقومات أساسية لفاعلية الأسرة، ويعني اختلالا في القيام بمسؤولياته المفترضة ليس بالضرورة أن يكون ذلك الاختلال من المنظور المادي، لكنه قد يقع ضمن المنظور النفسي والاجتماعي.
واعتبر الشلال أن الاغتراب الأسري عامل مهم يهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع، سواء كان الفرد هو الذي رفض الأسرة، أو هي التي رفضته.
التوافق الأسرى حلم يصعب تحقيقه !! يا ترى ما هي الأسباب
فبعد أن كانت الأسرة هي المدرسة الاجتماعية الأولى للطفل، وهي العامل الأول في صياغة سلوكه الاجتماعي التي يستقى منها الثقافة والقيم والعادات وغيرها من السلوكيات، أصبح التوافق الأسرى حلما بعيد المنال نحلم به جميعا، وهدفا نسعى كلنا إلى تحقيقه، حيث أن الواقع الذي نعيشه الآن يثبت بما لا يدع مجالا للشك صعوبة تحقيق هذا الحلم المرتجى.
مضاعفات الاغتراب الأسري
وكيف تنظر إليها الدكتورة إلهام:
وفي رد على سؤال وجهناه للاستشارية الاجتماعية الدكتورة إلهام القطان، أجابت بأن الاغتراب الأسري قد يسبب:
- عدم الترابط بين أعضاء الأسرة فيما بينهم.
- الاعتياد على قطيعة الرحم.
- يسبب خللا في النسيج الأسرى يؤدى إلى الإضرار اجتماعيا بالمحيطين به.
قضية تؤرق الجميع
ومن المؤكد أن قضية الاغتراب الأسري أصبحت تشغل بال جميع أفراد الأسرة، إضافة إلى المربين والاختصاصين والأكاديميين في المجال الشرعي والنفسي والاجتماعي والتربوي، وذلك لما له من آثار سلبية على الأبناء والتي من أهمها الحرمان من الحب والارتباط العاطفي النفسي، وعدم القدرة على التواصل مع المحيطين بهم من داخل الأسرة أو خارجها، ومصاحبة أصدقاء السوء مع عدم الإحساس بالأمان الاجتماعي والعاطفي، فضلا عن تسببه في خلق أبناء بلا هوية وبلا ثوابت اجتماعية أو دينية، مما يجعلهم عرضة للوقوع في شرك التجاذب الفكري الغريب عن مجتمعنا.
الأسباب كثيرة
وقال د. الشلال: هناك مؤشرات في المجتمع الكويتي تدل على وجود بعض المشكلات الاجتماعية ذات العلاقة الوثيقة بضعف النظام الأسري، منها انعدام القبول والمودة بين الزوجين، وضعف الحوار وكثرة الخروج من المنزل، إضافة إلى كثرة التذمر وعدم تحمل المسئولية.
للاغتراب الأسري أسباب كثيرة، منها ما يعود إلى المرأة التي أصبح بعضهن في هذا العصر يرين أن الزوج والأبناء أحد أسباب كبت حريتها، فبعد أن كان الزواج سكنا لكل منهما أصبح لا يجمعهما إلا سقف واحد و”برستيج” في المجتمع، ولم يسلم الرجال من العيوب، حيث أن البعض منهم يساهم في خلق الشقاق واغتراب الزوجة، فإذا كان الزوج مستهترا بسبب انشغاله بالديوانيات والسفر مع أصدقائه، صار يعتقد أن مهمته تنتهي بتوفير المصروف والكسوة والأكل.
كما إن للاختراق الثقافي والفكري الذي تروج له القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت من تصورات مختلفة لأدوار الأسرة وطبيعة العلاقة بين الزوجين من جهة، وبينهما وبين الأبناء من جهة أخرى دور كبير في ذلك ، فضلا عن الرفاهية التي لعبت وما زالت تلعب دورا كبيرا في اتساع البيوت والفلل لاحتوائها على كل متطلبات الحياة العصرية، مما جعل كل فرد بالأسرة ينعزل في غرفته، حتى بدأ أفرادها يتحاورون عبر الهاتف النقال والانترنّت !!
وحسب رأي القطان فإن السبب الرئيس لمشكلة الاغتراب الأسري هو توتر العلاقة بين الزوجين، الذي قد يفضي إلى الانفصال بالطلاق الرسمي، أو العيش منفصلين تحت سقف واحد، وتسمى هذه الحالة “بالطلاق النفسي بين أحد الزوجين من طرف أحدهما أو كليهما”.
حلول وآمال:
أكدت الباحثة الاجتماعية مريم محمد البلوشي على دور كل من:
- دور المدرسة الجوهري في غرس القيم الاجتماعية الصحيحة التي تساعد على صقل الشخصية السليمة للطفل خلال مرحلة طفولته وحتى مرحلة الشباب، وعلى إمكانية إدخال مادة دراسية تعنى بشئون وسلوكيات الأسرة المثالية وتؤكد على أهمية على ترابطها.
- دور وسائل الإعلام التي يمكن أن يكون لها تأثير واضح ومباشر بالعمل على بث روح التماسك والترابط الأسري والألفة بين أفرادها، بدلا من دورها الآن التي يعتبر معول هدم للأسرة وكيانها، من خلال ما تقدمه للمشاهدين من سلوكيات خاطئة ومنحرفة وعلى أنها واقع يجب أن نسلّم به جميعا.
- وعن دور الأسرة الكبير حيث نصحت الآباء بإتباع بعض المهارات التي تبعدنا عن الاغتراب وذلك من خلال:
أ : الحوار الفعال بين أفراد الأسرة الواحدة.
ب: إعداد جدول لمتابعة سلوكيات أفرادها للتخلص من السلوك غير المرغوب فيه
وتدعيم السلوك الايجابي. مع الحرص على التالي:
ـ الحد من النقاش و الشجار أمام الأبناء من قبل الوالدين.
ـ توطيد وتقوية العلاقة بين الزوجين له أثر نفسي و اجتماعي على الأسرة مما
يحد من الاغتراب الأسري.
ـ توزيع المسئوليات والأعباء الأسرية على جميع أفراد الأسرة ، حيث يشترك
الجميع بالأعباء الأسرية.
ـ ضرورة غرس الأسس الدينية والقيم الأخلاقية لأنها دعامة للأسرة وصيانة
لهـا.
ـ الابتعاد عن الصرامة والحزم المبالغ فيه في معاملة الأبناء والوالدين لبعضهما
البعض.
ـ الإصغاء الجيد بين كل طرف بالأسرة للآخر والاهتمام بمشاكله وقضاياه.
ـ تعزيز سلوك الأبناء الإيجابي وتشجيعهم على المزيد منه وتعزيز لغة الحوار
والنقاش بين الآباء و الأبناء.
ـ التواصل الأسري مع المدرسة عامل مهم له أثر ايجابي على تقليل الاغتراب
الأسري.
ـ ضرورة احترام القانون العام وآداب السلوك وقواعد العرف والتقاليد الحميدة.
ـ تقليل مكوث الأبناء مع الخدم و المربيات.
ختاما:
إن واقع الأسرة اليوم يكشف عن أزمة حقيقية تهدد المجتمع. فالأسرة التي نعدها واجهة اجتماعية نتفاخر بوجودها وحسبها ونسبها وعلو شأنها ومكانتها، أصبحت ـ في الحقيقة ـ بلا روح وكأنها خاوية على عروشها، لذا دعونا نتكاتف لننقذها من دمار محتم، وهذا لن يؤتي ثماره إلا بتضافر جهودنا جميعا من آباء وأمهات وتربويين وإعلاميين ورجال دين ومسئولين كل في موقعه، حرصا على التماسك الاجتماعي لأسرنا وحفظها من التشتت والضياع، لما للتقارب الأسري من دور فعال في خلق جيل ناجح مؤمن بربه، منتج لوطنه واثق بقدراته.