الإنسان

الإنسان ذلك اللغز الذي يدور في فلك ذاته، يحاول أن يفهمها، أن يعي حقيقتها، أن يجد مبررات لأحاسيسه وتناقضاته وانفعالاته، يبحث عن عوامل التوازن بين إدراكه وعواطفه، ويبقى حائرا بين الأسئلة والإجابات التي لا حدود لها ولا ثبات، فاقدا للاستقرار، بعيدا عن السكينة، متقلبا بين الاحتمالات الكثيرة، فلا يجد سبيلا غير اللجوء إلى الله رب العالمين، مسلما أمره إليه، مستسلما لإرادته، قانعا بطبيعته  المتقلبة التي خلق عليها، حينها فقط تملأه السكينة، ويركن إليها مطمئنا.

          إن عدم معرفة الخالق أو الإيمان بوجوده يشكلان عاملا هاما في الحالة النفسية للإنسان، فالابتعاد عن الله جل وعلا ينعكس على الإنسان، ويظهر ذلك من خلال سلوكه وتصرفاته التي تعبر عن القلق الدائم، بينما نجد الإنسان المؤمن هادئا مستقرا، فالأيمان بالله حقق له الاستقرار النفسي والرضا بقدره.

          لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وميزه عن غيره من المخلوقات بالعقل وما له من وظائف متعددة، فكان العقل “وحدة الكنترول” المسطيرة على جميع الأعضاء الأخرى من خلال شبكة الأعصاب الموصولة بكافة أجزاء الجسم، لذلك خاطب الله سبحانه وتعالى الإنسان من خلال العقل، فالعقل هو المسئول عن إنتاج المزيج المتوازن بين الوعي والإدراك والفطنة والتنبه والخبرة من جهة، وبين الانفعالات والمشاعر والأحاسيس والعواطف من جهة أخرى.

إن هذا الوضع المعقد من الصراع داخل الإنسان بين المنطق وبين العواطف والأحاسيس وتداخلها اللذان يتسببان في حالة من القلق وعدم الاستقرار لدى البعض، هو ذاته الذي يضمن التوازن بين الإدراك والوعي وبين والعواطف والانفعالات والأحاسيس لدى البعض الآخر، ولا شك بأن غلبة أحدهما على الآخر يشكل حالة من فقدان التوازن، وتترك تلك الحالة أثرا واضحا في تعامل الإنسان مع الآخرين وتحديد علاقته بهم، كما تؤثر في شخصية الفرد وأسلوبه في الحياة وتصرفاته، التي تظهر هيمنة إحدى الوظيفتين على الأخرى، فنقول فلان عاطفي، أو فلان عقلاني.

وقد وصف سبحانه وتعالى الإنسان وتقلباته النفسية، وما يتعرض له من تعب ومشقة وقلق نفسي وعدم استقرار من خلال قوله :“إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ”، فبين لنا الله سبحانه أن تقلبات الإنسان وعدم استقراه تزول بالإيمان والصلاة والعبادة، فالإيمان ومظاهره عامل هام في عوامل الهدوء والاستقرار النفسي، لأنه يمثل حالة من تسليم الأمور إلى الله تعالى والرضا والقناعة بقدره.

“إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ”

إن كل محاولات فهم الإنسان التي كانت بعيدة عن الجانب الروحاني لم تجدِ نفعا، ولم تحقق استقرارا في النفوس، ذلك أن الإنسان خلق في حالة من الاضطراب والقلق والإرهاق، ففي قوله تعالي :“خلق الإنسان في كبد”، وتوضح الآية المشقة والتعب الذي يتعرض لها الإنسان جسديا ونفسيا، وطبيعة الإنسان المتقلبة وغير المستقرة، فكانت الحرية في قضية الإيمان والسلوك التي منحها الله سبحانه للإنسان وأراده بها أن يهتدي للحق هي ذاتها التي تشكل مصدرا للقلق وفقدان الاستقرار، حيث أتاحت المجال للوقوع بالخطأ، لكنه سبحانه بين للإنسان طريق السعادة من خلال نتائج السلوك والتصرفات.

 حاولت في كلماتي السابقة أن أقدم جزءا من حوار يدور في خلدي، وودت أن أشارك به القراء، وأردته أن يكون طرحا منضبطا دينيا واجتماعيا، فأنا لا أود الحكم على تصرفات وشعور الآخرين، ولا أرغب بأن يحكم علي الآخرون من خلال تصرفاتي، فلنؤمن بالله، وعلى بركته نسير، وبرحمته تستقر النفوس وتهتدي إلى السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *