أم جاسم، امرأة ستينية تُوفِّي عنها زوجُها منذ 30 عاماً ولديها ثلاثة أبناء، آثرت أن تربي أبناءها وتكرس حياتها لهم، ولم تبخل عليهم لا بوقتها أو جهدها، ولا حتى مالها الذي ورثته من أهلها، وواجهت الكثير من المتاعب والصعوبات في سبيل ذلك حتى استطاعت أن تعبر بالمركب إلى شط الأمان، وبصمت دون أن يشعر بتعبها أحد.
فتعلم الأبناء ووصلوا إلى مراكز محترمة في العمل، إلا أن الحظ لم يكن حليفها، فلعب الشيطان دوره في الوسوسة للأبناء باستغلالها، فحاول كل ابن أن يخطط للحصول على أكبر قدر ممكن من المال منها، فاتبعوا كل الأساليب حتى امتد الأمر لإيذاء بعضهم بعضا وإهمال أمهم، فأصبحت مصالحهم شغلهم الشاغل، والقوة عندهم لمن يمتلك من المال أكثر، دون النظر لوضع وحال أمهم التي تعبت من أجلهم وصارت تذبل مع الأيام، فتغيرت معاملتهم لها وساءت حالتها الصحية والنفسية، وبدأ قلبها يعتصر حزنا وألما لما آلت إليه أوضاع أبنائها.
إلى أن جاء اليوم الذي توفيت فيه أم جاسم.. وبدأ الحديث عن الأسباب الحقيقية وراء وفاتها، هل كان موتها حسرة على سنوات حياتها التي مرت في تربية أبنائها وحرمت نفسها من أمور كثيرة، أم على المال الذي ضاع ولم تستفد هي منه شيئا، أم من أجل الصراع الذي دار بين أبنائها فخسر بعضهم بعضا وخسروا أمهم؟
قصة أم جاسم ذكرتني بقصة وطن أعيش على أرضه، ولدت وتربيت وترعرعت فيه، بنيت أحلاما ورسمت له خططا وأهدافا، وكانت لي أمنيات بأن يزدهر ويزهو بين أشقائه وجيرانه، بل وأفخر به أمام دول العالم أجمع، فهو يستحق أن يُرفع اسمه في المحافل الدولية بكل المجالات، ويستحق مني ومن كل من تربى على أرضه، أن نعوض عطاءه وحبه اللامحدود، فقد أعطى وما زال يعطي بلا كلل، وكلي ثقة بأنه كان يكفيه أن نرد الجميل له بحفظ كرامته وتاريخه المليء بالإنجازات والعطاء، فلطالما كان سباقا ورائدا بين الدول، وفي وقت مبكر، تعليميا وثقافيا وتنمويا، فهو صاحب التاريخ الحافل بالعمل الخيري الإنساني في أنحاء العالم، الداعم للقضايا العادلة صنعه الآباء والأجداد.
فالكويت وطن كالأم بإنسانيته وحنانه، أم ربت أبناءها على الديمقراطية والوسطية وزرعت بينهم ثقافة الحوار وحسن التواصل.
وما يحصل بين البعض من أبناءها من إساءات وخلافات وصراعات، وفتنة وفساد يؤلمها ويحزنها، لأنها تمتلك مشاعر كالأم، إن ماتت بحسرتها لن يندم إلا أبناؤها، والشقاء سيكون حليفهم إينما كانوا، ولن يجدوا من يصونهم ويحفظ كرامتهم من بعدها. لذا تكريماً لوطني وبراً به سأخصص مناسبة عيد الأم لهذا العام للكويت الحبيبة، فهي وطني، وكياني، وأمسي، وغدي، فأنا من دونها لا وجود لي ولا حياة.
ولكلِّ غيور ومحب للكويت أقول: لنعز أرضنا ونرعى وطننا… فالكويت تستاهل.
…بقلم غنيمة حبيب نشر بجريدة السياسة عدد الاربعاء 17\3\2021