1036596-1

أشارت استشارية علاج الإدمان ورئيسة فريق دعم أهالي المدمنين غنيمة حبيب إلى أن «كورونا» وما صاحبها من تأثيرات وضغوطات اجتماعية واقتصادية ونفسية ألقت بظلالها السلبية على المتعافين من المخدرات في مختلف أنحاء العالم وليس الكويت فحسب، معتبرة أن سنة 2020 حملت شعار البقاء للأقوى من الناحية النفسية، ومن استطاع الخروج منها بأمان وسلام هو الفائز في هذه الفترة العصيبة.

وأضافت حبيب، في لقاء خاص لـ «الأنباء»، أن هذه الضغوطات التي يعود سببها الرئيسي إلى الجائحة، ساهمت بشكل كبير في زيادة أعداد المدمنين، وهو ما يفرض علينا الوقوف بشكل جاد للتصدي إلى هذه المشكلة الخطرة بشكل أكثر فاعلية وحزم، من خلال إعادة النظر في القوانين والتشريعات بهذا الشأن، ومنح تراخيص للقطاع الخاص لإنشاء المصحات العلاجية التي تعتمد على الأساليب العلمية والعلاجية الحديثة تسهم بشكل كبير في إنقاذ أبنائنا من هذا العدو القاتل، وإلى المزيد من التفاصيل:

في البداية، هل أثرت كورونا أو ساهمت في زيادة معدلات إدمان المخدرات بشكل عام بين فئات المجتمع؟

٭ بالطبع، فجائحة كورونا ساهمت بشكل كبير في زيادة الضغوطات النفسية والاجتماعية على كل فئات المجتمع، وفي مختلف أنحاء العالم دون استثناء، ونحن كمتخصصين اجتماعيين ونفسيين دائما نقول بأن العالم بمختلف شرائحه لن يعود كما كان قبل الجائحة.

فالأشخاص الأصحاء تأثروا من الناحية النفسية بشكل سلبي في ظل هذا الإغلاق الذي يشهده العالم وطول فترات الحظر وقلة الفرص الوظيفية وغيرها من الأمور، فما بالنا بأشخاص مرضى يصعب عليهم التعامل مع تلك الضغوط ويعانون من أمراض نفسية وحالات توتر وانعدام الثقة بالنفس نتيجة لجوئهم لتعاطي المواد المخدرة.

إذن، ما أبرز التأثيرات التي ألحقتها «الجائحة» على مدمني المواد المخدرة؟

٭ قبل الحديث عن التأثيرات علينا أن ندرك أن هناك نوعين من الإدمان، النوع الأول يتمثل في فئة المدمنين النشطين، وهو الذي يحتاج للمخدر بأي شكل من الأشكال، وهذا النوع يعاني في ظل «كورونا» من زيادة في معدلات التوتر والشعور بالخوف، ويرجع السبب في ذلك إلى قلقه الدائم وتوتره المستمر على كيفية الحصول على مادته وتوفير أكبر كم منها في فترة الحظر الجزئي أو الكلي.

ولذلك نلاحظ خلال الآونة الأخيرة العديد من حالات العنف والعدوانية والخروج على القانون مثل كسر الاشتراطات الصحية وفترة الحظر أو التطاول على رجال الشرطة أو التعدي على أحد أفراد الأسرة والشجار بين الأصدقاء، وهذه نتيجة طبيعية في ظل حاجته للمخدر وعدم قدرته في الحصول عليها.

وماذا عن الفئة الثانية من المدمنين؟

٭ الفئة الثانية والتي تعاني في ظل الجائحة هي فئة المدمنين المتعافين، وهم الذين تلقوا العلاج في المصحات العلاجية أو توقفوا عن التعاطي منذ فترات طويلة أو قصيرة، ويخضعون لبرامج دعم عن طريق برنامج الـ12 خطوة أو برامج علاجية ومتابعة، فهؤلاء أيضا أشخاص يعانون في ظل هذه الضغوط التي فرضتها الجائحة وبالتالي ترتفع لديهم مؤشرات القلق والتوتر، ولكن لديهم برنامج قوى ومتماسك يعينهم على الثبات النفسي، ولكن تكمن الخطورة لدى تلك الفئة في حال لم يستمر احدهم بحضور اجتماعاته والتواصل مع زملاء التعافي، وخاصة مع تطبيق الإجراءات الاحترازية وتطبيق التباعد وعدم قدرته على التواصل المباشر معهم، فاحتماليه انتكاسته واردة. وقد رصدنا حالات انتكاسة عديدة في ظل الضغوطات التي يعيشونها في الوقت الحالي، فالانتكاسة أمر وارد وطبيعي في حال عدم استخدام المتعافي كل السبل المتوافرة له للتعايش مع ظروف الحياة والتعامل مع الضغوط النفسية والمخاوف التي يعيشها، وتقبل الحياة بشروطها.

هل نعاني في الكويت من ارتفاع في معدلات الإدمان والمدمنين؟

٭ للأسف في الكويت «دقينا ناقوس الخطر منذ سنوات فيما يتعلق بارتفاع معدلات الإدمان»، فنحن نفقد شبابنا وأحيانا أطفالنا في ظل ما نرصده من حالات ذات متوسط أعمار صغيرة نتيجة إدمان المواد المخدرة. وتكمن المشكلة في وجود أعداد كبيرة من المدمنين الذين مازالوا يعانون وفي حاجة ماسة إلى برامج علاجية ومصحات، ومسؤولين وتربويين يهتمون بقضيتهم، وأكبر دليل على ذلك تصريح وزير الصحة الشيخ د.باسل الصباح الأخير والذي نشر بتاريخ 5 الجاري بأن عدد حالات الدخول إلى مركز الإدمان المسجلة لعام 2020 وصلت إلى 1934، منهم 1619 مواطنا، ما يؤكد مطالباتي السابقة بضرورة السماح للقطاع الخاص بإنشاء مصحات للعلاج بأحدث البرامج الدولية العالمية.

الإدمان ما بين المرض والجريمة.. كيف يمكننا تقييم هذه المعضلة؟

٭ دائما ما أشير خلال الندوات والمؤتمرات إلى أن السلوك الإدماني هو مرض، وان المدمن شخص مريض بحاجة إلى برامج علاجية لانتشاله من الخطر، فعلينا ألا ننتظر للمرحلة التي يصل فيها المدمن إلى مرحلة السلوك العدواني، أو الجنون بسبب بعض الأنواع المهلوسة للعقل والذي يعد أحد المراحل المتأخرة وتتطلب مجهود ووقت طويل لعلاجه، فالطريق الأصح لإنقاذ المدمن هو الالتفات إلى أهمية العلاج المبكر لحالاته قبل أن تطور إلى مرحلة السلوك الإجرامي.

هل هناك أرقام حقيقية يمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بأعداد المدمنين في الكويت؟

٭ من المشاكل التي نعاني منها في الكويت كباحثين ومتخصصين في مجال الإدمان والسلوك الإدماني، أننا لا نملك قاعدة بيانات، وقد ناشدنا أكثر من مرة في المؤتمرات والكتب والاجتماعات، بضرورة توفير قاعدة بيانات عن كل الأمراض النفسية المتعلقة بالإدمان والعنف والسلوكيات الخطرة والعدوانية والعنف الأسري وغيرها من السلوكيات الاجتماعية، ولكن كما أشرت أعلاه خلال لقائي هذا بأن تصريح وزير الصحة الأخير أكبر دليل بأننا في مرحلة متقدمة، إلا أننا بسبب عدم وجود قاعدة بيانات ثابته، لا نستطيع حاليا تحديد الفئة العمرية أو الشريحة أو الجنس الأكثر إدمانا، ولكن من واقعنا وتجاربنا في هذا المجال بشكل يومي فإن كل الفئات العمرية تكون عرضة لخطر الإدمان. ففي ظل انعدام الإحصائيات لا نستطيع أن نضع أيدينا على مواطن الخلل، فسبب عدم توافر البيانات التي من خلالها نتمكن من تحليل حيثيات المشكلة وأسبابها الثانوية، لا نستطيع حل المشكلة بشكل ناجع.

ما المؤشرات النفسية الدالة على إدمان الفرد والتي يمكن من خلالها للأسرة متابعة أبنائها وحمايتهم من خطر المخدرات؟

٭ بشكل مختصر، إدمان الفرد يبدأ بعلامات معينة قد لا تكون واضحة للوالدين، وتكون بسبب خطأ طبي والأغلب تبدأ بتجربة، أي أن الشخص لديه رغبة بتجربة نوع معين لمرة واحدة، ومن ثم رغبة ملحة وصولا إلى مرحلة عدم قدرته عن التوقف وينتابه سلوك قهري يدفعه لتعاطي أنواع مختلفة بسبب إحساسه بأنه إن لم يتعاط سيموت، وهناك تصبح حياته متمحورة حول المخدر. وبهذا السلوك تبدأ المخدرات تؤثر على حياته بشكل عام وعليه تظهر الخسائر على صحته النفسية والصحية، الاجتماعية، والمادية والدراسية أو الوظيفية ومن ثم القانونية، فأغلب المدمنون يفقدون من ثلاثة إلى أربع محاور إن لم تكن كلها.

التوعية بخطورة المخدرات واهتمام الوالدين بالحديث مع أبنائهم عن أنواعها وخطورتها.. هل يعتبر سلوكا وقائيا صحيحا؟

٭ في ظل ما نعيشه اليوم في عصر التكنولوجيا والإنترنت أصبح من الصعب حجب أي معلومة عن الأطفال والشباب، فهو قادر على الوصول إلى أي معلومات يريدها عبر هاتفه الذكي. ولذلك، فمن الجيد أن نكون قريبين منهم ونحاورهم ونتفهم سمات المراحل العمرية التي يمرون بها حتى نستطيع كسر الحواجز النفسية التي تعيق الوصول إليهم، فأبناؤنا بحاجة للإحساس بالأمان حتى يكونوا قادرين لمناقشة كل ما يقرأون أو يسمعون عنه معنا دون خوف، وخاصة في ظل الغزو المعلوماتي والكم الهائل من الإغراءات التي نشهدها حاليا.

من خلال معايشتك للعديد من الحالات، ما أكثر أنواع المخدرات انتشارا وخطورة في الكويت؟

٭ المهلوسات، وفي مقدمتها الشبو والكيميكال، إذ تكمن خطورتها في انتشارها السريع في مجتمعنا، فضلا عن كونها ذات تأثير سلبي وسريع على الدماغ، بالإضافة إلى ما يصاحبها من سلوك إدماني متلاحق، فضلا عما تسببه من تأثير قوي وضار على وظائف المخ مثل الإدراك، وينتج عنها الفصام والهلاوس والبرانويا والاكتئاب الشديد وأحيانا تدفع بمتعاطيها إلى الانتحار والعنف والعدوانية.

ماذا عن القوانين المتعلقة بالمدمن، هل تعالج بشكل صحيح مشكلة الإدمان، وهل نحتاج إلى تعديلات في مثل هذه القوانين؟

٭ هناك تغيير في القوانين والتشريعات الخاصة بالمتعاطين، ولكنها لا تزال قاصرة على الوصول للأسلوب الصحيح للتعامل مع طبيعة المرض، كما إنها مازالت تعود إلى التقدير الشخصي للقاضي، لذلك نتمنى أن تكون تلك القوانين والتشريعات أكثر وضوحا. فأنا لست ضد عقاب المدمن، ولكن قبل معاقبته علينا منحه الفرصة اللازمة عبر معالجته بالأساليب والبرامج العلاجية المعتمدة دوليا، وفي حالة عودته للإدمان وارتكب جريمة على إثرها وجب عقابه بأسلوب يعينه للرجوع للطريق السليم. فالقوانين التي تنظر للمدمن أحيانا تحمل تناقضات ولا توضح هل المتعاطي مدمن أم مريض أم مجرم، لذلك فهي تحتاج إلى إعادة النظر فيها، ونحن على تواصل دائما مع عدد من المحامين للاطلاع على مكامن الخلل في تلك القوانين.

ماذا عن بلاغات «شكاوى الإدمان» والإجراءات المتبعة فيها، هل تحقق الطموح المطلوب لعلاج حالات الإدمان؟

٭ شكاوى الإدمان خطوة إيجابية، إذ تمنح أسرة المتعاطي الحق في الإبلاغ لتقديم العلاج اللازم له ومن ثم الإفراج عنه بعد تلقيه العلاج. ولكننا في حاجة إلى تعديل بعض الإجراءات المتبعة خاصة في ظل تعاملنا المباشر في الكثير من الحالات، فالكثير من الأهالي يبلغون ويحررون شكاوى الإدمان ضد أبنائهم لحمايتهم، ولكن عملية الضبط قد تستغرق أياما أو أسابيع طويلة، بينما تعد هذه الفترة هي الأخطر، فمن الممكن أن يتوفى نتيجة جرعة زائدة، أو قد يرتكب خلال تلك الفترة جريمة ما أو جناية، كما أن نوعية وأساليب العلاج من النقاط التي لابد من مراجعتها واعتماد أساليب طبية وعلمية، فسحب السموم فقط ليست كافية، لأنه في حال خروجه من المستشفى سيرجع للتعاطي وقد يتوفى من جرعة زائدة.

هل المدة القانونية التي يقضيها المتعاطي في مركز الإدمان في الكويت كافية؟

٭ في الوقت الحالي يتم إيداعه 21 يوما، وفقا للمدة التي حددها القانون، وهي بالطبع فترة زمنية لا تكفي لعلاجه بشكل صحيح، فالمدة الصحيحة علميا للعلاج في مركز التأهيل تتراوح بين 4 و6 أشهر.

هل المصحات العلاجية تلبي احتياجات الكويت في مجال علاج إدمان المخدرات؟

٭ بالطبع غير كافية، فنحن لدينا مصحة واحدة لتأهيل البنات ومنزل منتصف الطريق للشباب، لذا كنت وما زلت أطالب بالسماح للقطاع الأهلي بإنشاء مصحات علاجية حتى نستطيع إنقاذ أبنائنا من خطر المخدرات.

كلمة أخيرة تودين توجيهها عبر جريدتنا؟

٭ لنطالب جميعا المسؤولين بالدولة بالالتفات لمشكلة المدمنين وتكريس الجهود للبحث عن حلول جذرية لمعاناة شبابنا فهم مستقبل الكويت، ولنكن صامدين ومتماسكين لنعبر هذه الجائحة بسلام وأمان، ولنكن عونا وأمانا لأبنائنا، ولنقف مع المتعافي ليتخطى الضغوط التي يواجهها في ظل جائحة كورونا، والتي جعلت شعارها «البقاء للأقوى» من الناحية النفسية، فمن استطاع الخروج منها بأمان وسلام هو الشخص الفائز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *