منذ أواخر عام 2010 والمنطقة تشهد العديد من الاعتصامات والحركات الاحتجاجية ، التي انطلقت لتعبر عن الغضب الشعبي، الذي كان نتيجة المعاناة نظراً لسوء الأحوال المعيشية، وزيادة معدلات البطالة ، وانتشار الفساد ، وغياب الحريات ، وعدم استجابة الحكومات والأنظمة لتلك الاحتياجات والمطالبات ، مما حدا بالشعوب لللجوء إلى الثورات للمطالبة بحقوقها الشرعية والتي لم تحقق ما أرادت من إصلاحات اجتماعية وسياسية، فأسفر ذلك الوضع عن زيادة سقف مطالب تلك الثورات بالمطالبة بتغيير وإسقاط الأنظمة نفسها .
هذه الثورات الشعبية كان الشباب هم من يمثلونها طالبين للتغيير وحاملين شعارات (التغيير والإصلاح)، هي ثورات سلمية عفوية غير منظمة وليس لديها هدف واضح ، تم سرقتها من قبل مجموعات تم دسها في صفوف تلك المجموعات التي نشدت التغيير والإصلاح ، فخرجت بالثورات عن مسارها الذي جاءت به ونادت من أجله، وذهبت بمطالبات هؤلاء الشباب أدراج الرياح ، هذا ناهيك عن تحويلها من حراكات سلمية إلى عنف و أعمال تخريبية وتحولت إلى شعارات سياسية ودينية ومذهبية أودت بها، فكانت النتائج سلبية وعكسية على تلك الشعوب من استخدام الأنظمة وأصحاب القرار القمع والعنف في إخمادها .
وها هي الاحتجاجات والاعتصامات عادت من جديد وتشهد المنطقة حالياً العديد منها ، إلا أن الوضع الآن أخذ منحى آخر، فما عادت مطالبات الشعوب اجتماعية وبصورة سلمية كما كانت، بل أصبحت عنيفة وارتفع سقف مطالب المتظاهرين إلى إسقاط الحكومات منذ البداية، ولا الأنظمة أعتبرت مما حدث فقامت بالاصلاحات التي ترضي الشعوب حتى تتجنب اندلاع تلك الاحتجاجات مرة أخرى، مما ينذر بعواقب وخيمة لا تحمد عقباها .
فليكن همنا الأكبر هو الوطن وحبنا له، ولنتعلم مما مضى ولنأخذ العبرة حكومات وشعوب ، فعلى الأنظمة إدراك أن ثورات الشعوب لا تموت إنما تتجدد، لذلك وجب عليها النظر في احتياجات شعوبها وتضمن لها العيش الكريم وتحقق لها الاستقرار الاجتماعي قبل أن تطالب الشعوب بما هو حقاً مشروعاً لها. وعلى الشعوب أن تكون أكثر وعياً بحقوقها، ووضوحاً وبلورة لمشروعها وأهدافها، حتى لا تُسرق أحلامها من بين أيديها وتضيع هباء منثوراً مرة أخرى، ولا يبقى ( التغيير والإصلاح) شعاراً براقاً فقط يتردد على الألسنة وينادى به ولا يخدم مستقبل الشعوب وتطلعاتها.