بعيدا عن أي دوافع أو تداعيات لكارثة حريق العيون في الجهراء، يبقى خبر الفاجعة قد هزّ الكويت من أقصاها إلى أقصاها، فمنذ الغزو العراقي عام 1990 لم تعرف ذاكرة الكويتيين مصيبة مثل تلك الكارثة، فكان أهل الكويت هم أهل العزاء، فالحزن والدمعة قد جرفت كل بيت وهزّت مشاعر وعواطف كل قلب كويتي بعفوية صادقة، فحين يتحول الفرح إلى مأتم في ليلة العمر، فإن الحزن لا يمس العروسين وذويهما أو الحضور وأقاربهم فقط، لكنه يمس الناس جميعاً انطلاقاً من مشاعر المشاركة التي تلزمنا فيها إنسانيتنا ووطنيتنا.
كانت فاجعة الجهراء الإنسانية كارثة مأساوية بكل المقاييس، حيث عشرات الأرواح أزهقت، وتركت عشرات أخرى جرحى يئنون ويلات الألم ، فهي كارثة هزت ضمير المجتمع الكويتي بكل شرائحه وأطيافه، ولم تصب أهالي الجهراء فقط، بل أصابت الكويت والمجتمع الكويتي، فمشهد الجثث المتفحمة للأطفال والنساء أبكى العيون وأدمى القلوب، وكان مفجعاً بكل معاني الكلمة، فخيم الحزن على الجميع وأبكتهم، و أحس الكل بالمصيبة وكأنها في بيته فكان التعاطف موحدا والمشاعر مشتركة،وهو ما برهن على طيبة الكويتيين وصفاء معدنهم الحقيقي، وهذا ليس بمستغرب عليهم، بل هو من شيم أهل الكويت الذين تعودوا على الوقوف معا في وجه أي كارثة كانت، مجسدين أروع أمثلة اللحمة والتعاضد وكافة المشاعر الصادقة من عطاء وتضحية ووحدة وطنية ونخوة إنسانية.
وإن كانت هذه الفاجعة على مأساويتها، وهذه العبرة الممزوجة بالدمعة قد قرّبت الكويتيين من بعضهم البعض أكثر وأكثر وكانت دموع العيون التي انسكبت على ضحايا العيون هي التي جمعت شتاتنا اليوم وقربتنا من بعضنا بعضا، فنأمل ألا تكون المصائب فقط هي مصدر تكاتفنا ووحدتنا.
إننا نعزي الكويت أولا ثم أنفسنا بهذه الفاجعة الأليمة، ونشارك أسرهم وذويهم هذا المصاب الجلل، ونرفع الأكف بالدعاء أن يرحم من فقدناهم، ويحتسبهم شهداء عنده، وأن يرزقهم الدرجات العلى في الجنة مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. وأن يقيهم من لظى النيران ويشملهم بالرحمة والسكون إنه لمجيب الدعاء، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل، ويلهم ذويهم الصبر والسكينة، ونقول لأسرهن وأهلهن ـ وكلنا أهلهن ـ تجملّوا بالصبر سمة المتقين، ونسأل الله أن يجعل ذلك خاتمة أحزان الكويتيين يا رب العالمين، ولنتحلى بالحلم عند الغضب، فهو منهجنا دائما في التعامل الاجتماعي، وعدم تعميم الإساءة ومحاسبة كامل الجماعة عليها.