النائب الذي نريد

 سيرته الشخصية 

يتساءل الكثير من أفراد المجتمعات عن الصفات المطلوبة لنوابهم في المجالس النيابية، إذ غالبا ما تفرز العمليات الانتخابية نوابا لا يمثلون إرادة الشعوب، ولا يعملون على تحقيق مصالحها المرجوة، فيصاب الناخب بالإحباط وخيبة الأمل، وهو ما ينتج قناعة لدى البعض بعدم الجدوى من العملية الانتخابية، ما يؤدي لعزوف البعض عن ممارسة دوره الانتخابي، إذ لا يجد قيمة لصوته، فيما يلجأ البعض الآخر للموازنة بين مرشح وآخر دون قناعة، فتكون تلك الموازنة مبنية أسس غير سليمة، وتلك عوامل بدورها تقوم بإفراز فئة نيابية لا تمثل المجتمع من جديد، وتصبح الأمور وكأنها تتوالد من بعضها وتعيد ذاتها، تماما كالدوران في الحلقة المفرغة.

ونحن في الكويت كغيرنا من أفراد المجتمعات الأخرى نتطلع لإفراز نواب يمثلون المجتمع بكافة فئاته، ويعملون على تحقيق مصالح الكويتيين كافة، وعلى هذا كان لا بد من تحديد صفات النائب المطلوبة ومؤهلاته ليكون قادرا على تحقيق هذه الغاية.

ولا أراني إلا أقرأ لسان حال الكويتيين في تلك المسألة الهامة، إذ لا بد للنائب الذي يمثل أفراد المجتمع الكويتي من تمتعه بصفات خاصة تتلخص فيما يلي:  

المؤهـلات الشخصيـة – الخـبرة والكفـاءة

  • صاحب مؤهل علمي وثقافة عامة. 
  • لديه إلمام بالجوانب القانونية والتشريعية ودراية بالقيم والمفاهيم الدستورية. 
  • لديه وعي سياسي بالقضايا المحلية والإقليمية وإلمام بالقضايا الدولية. 
  • لديه اطلاع على هموم المجتمع وحاجاته. 

قيـم النزاهـة والشفافيـة واحـترام القانون:

  • لديه شهادة حسن سير وسلوك.
  • يحترم ويلتزم بقوانين الدولة في حملته الانتخابية.
  • مشهود له بالنزاهة والاستقامة والأمانة والحكمة والموضعية في حياته العامة وتطبيق القوانين العامة.
  • الإلمام باستخدام الأدوات الدستورية في محاسبة ومراقبة الحكومة، والتدرج في استخدامها.

الأطروحـات الفكريـة

  • الإيمان بأن الدستور هو المرجعية الأولى للعمل البرلماني والسياسي.
  • العمل على تمثيل كل الكويتيين وينبذ الطائفية والعنصرية والتعصب القبلي. 
  • اعتبار مصلحة الوطن الأولى والأخيرة في أجندته. 
  • الإيمان بالانفتاح والتعاون مع الجماعات والأفراد كافة – بما فيها السلطة التنفيذية – في إطار مصلحة الوطن.
  • التسلح بالوعي الديمقراطي والإيمان بحرية الرأي وامتلاك رؤية تنموية للدولة والنهوض بمؤسساتها وتطلع للتغيير .
  • الإيمان بالحريات والمطالبة بمزيد من الشفافية.
  • الاستعداد لإقرار قانون الكشف عن الذمة المالية، وقانوني حق الاطلاع ومكافحة الفساد.

البرنامج الانتخابي 

  • يضع خطة عمل وأولويات واضحة المعالم تتضمن مجموعة من المشاريع الواقعية التنموية.
  • يحتوي برنامجه الانتخابي على تصور لمكافحة مظاهر الفساد بأنواعه. 
  • يسعى إلى تطبيق الأطر والنصوص القانونية بصورة عادلة وبدون أي إقصاء بين أفراد المجتمع.

كيف نحاسب النائب: 

  • إذا كان المرشح نائب سابق يجب مسائلته عن انجازاته خلال الدورة السابقة، ويحكم عليه بعد انقضاء فترته النيابية كاملة، سواء كانت قصيرة أو طويلة، وإذا لم يلتزم ببرنامجه الانتخابي، عليه ذكر أسباب مقنعة لذلك، ولا بد أن يكون لدى النائب مصداقية، لأن الشعب يكره الكذب والخداع، فالأفضل للمرشح ألا يتكلم عن برنامج لا يستطيع تنفيذه.
  • تفعيل القانون الخاص بمحاسبة النواب، وذلك لمزيد من الانضباط والشفافية، على غرار قانون محاكمة الوزراء، لأن النائب يمثل الشعب، وهناك حدود وضوابط لكل أفعاله وكلامه.
  • وجود وثيقة شرف يوقعها جميع النواب حتى تكون معيار العلاقة ما بين النواب أنفسهم والنواب والوزراء.
  • يتعهد بكشف الذمة المالية.

إن تلك الصفات إذا ما توفرت في نواب الأمة لا بد لها وأن تنعكس على ممارسة العمل النيابي الهادف للبناء والعمل، لتعود بالمنفعة على المجتمع عامة، وتحقق ما يتطلع الكويتيون بكافة فئاتهم.

دعوة للتقويم:

لقد كانت الكويت على الدوام صرحا في قلوب الكويتيين جميعا، لا ينشدون لها سوى الخير.. كل الخير، فنمت بذلك وتطورت وزهت بهمم أبناءها التي حققت كثيرا مما تصبو إليه، فيعد الانضمام إلى جامعة الدول العربية أحد الإنجازات التي تحققت، كذلك الانضمام لعضوية الأمم المتحدة، وإنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وجامعة الكويت التي باتت صرحا شامخا يعتد به أبناء الكويت، والمركز العلمي للقانون البيئي وهو المركز الأول دوليا في هذا المجال، إضافة للكثير من الإنجازات على كل الأصعدة والمجالات، ولكن الكويت كمجتمع محافظ أصبحت عرضة لمؤثرات التواصل مع الآخرين، التي زينت لبعض أبناءها التوجه نحو التفرد والأنانية، فانحرفت تلك الفئة عن المسار والنهج الذي كان يحقق النجاح تلو الأخر على درب التقدم ومسيرة التنمية في كافة المجالات، فكان على نخبة واعية من أهل الكويت أن تقوم بحمل رسالة التوعية الأخلاقية والاجتماعية تهدف لرأب الصدع والعودة إلى مواصلة المسيرة التي ارتضتها كل فئات المجتمع الكويتي نهجا وصراطا يؤدي إلى بر الأمان ويقيها شر الفتن ويجنبها الوقوع في شرك الطائفية والأفكار الدخيلة.

ومما لا شك فيه بأن أن توجهات البعض نحو النهج الطائفي لا يهدف إلا لتفتيت القاعدة  الأسرية الموحدة التي انطلق منها الكويتيون في بناء كويت شامخ يعلو فوق كل اعتبار، وليس من شأنه المضي في مسيرة البناء، إنما تعطيل تلك المسيرة ووضع العقبات، لتنفيذ أجندات قد تكون خارجية أولا تكون، لكنها بالتأكيد تهدف لمصالح تخدم أصحابها بصفتهم الشخصية، سواء كان ذلك لتحقيق مكاسب مادية أو حتى معنوية أو خدمة لنشر أفكار فئوية متزمتة.

إن الكويت اليوم، وقد وصلت إلى تلك المكانة بين بلدان العالم المتحضر، بحاجة لمزيد من التضامن والتلاحم بين فئاتها المختلفة، انطلاقا من المسئولية الوطنية  والضمير الإنساني، وتحقيقا لوحدة وطنية تسمو فوق كل اعتبار آخر، فرديا كان أم طائفيا، فأهل الكويت ما اعتادوا على غير ذلك عبر ما مضى من سنين.

إن تلك المسئولية التي نقصد تقع أولا على عاتق أصحاب القرار نوابا كانوا أم وزراء، الذين جعلوا من مجلس الأمة ساحة للصراع الشخصي وتصفية الحسابات، وتشاغلوا عن احتياجات المجتمع ومتطلباته، ولم يضعوا نصب أعينهم دور المجلس في خدمة الشعب وتحقيق مصالحه، فأصبحنا لا نعرف عن أخبار المجلس سوى ما يقوم به من استجوابات لهذا الوزير أو ذاك، وتوقفت بذلك عجلة التقدم والنماء. 

إن  الاستجوابات في مجلس الأمة باتت وكأنها الوسيلة الوحيدة لمحاسبة الحكومة، فعلى الرغم من تعدد الوسائل الرقابية، إلا أن النواب يلجئون للاستجواب، وبالنظر إلى تلك الوسيلة التي تعتبر وثيقة اتهام لأحد الوزراء أو للحكومة ككل، تظهر احتمال القصد في توجيه اللوم والاتهام المحمول على الخلافات الشخصية وتصفية الحسابات، فإذا كان الهدف المحاسبة للصالح العام فلما لا يلجأ البعض للوسائل المتاحة الأخرى، كلجان التحقيق التي أثبتت نجاعتها في كثير من المشكلات، كقضية شراء المدفع الأمريكي التي تم المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق بها،  فتراجعت الحكومة عن تنفيذ تلك الصفقة التي تكلف مبالغ طائلة، أو كقضية بعض الاختلاسات والتصرفات غير القانونية في البلدية، التي شكلت لها أول لجنة تحقيق برلمانية عام 1963م من 7 أعضاء من مجلس الأمة، وقد أوصت اللجنة حينها بعد استكمال التحقيق بإحالة الأمر إلى النيابة العامة وتعهدت الحكومة بذلك.

لقد تسببت كثرة الاستجوابات في تدخل سمو الأمير لحل البرلمان الكويتي خلال العقدين الماضين أكثر من أربع مرات، وهذا ما يعكس القدر الكبير من الخلافات والمواجهات السياسية بين الحكومة من جهة وبين المجلس من جهة أخرى، ويوضح النهج غير المتوافق بين الطرفين، ولم تكن الحكومة لتسلم من أثر تلك الخلافات، فقد تمت إقالتها في تلك الفترة في مرات عديدة.

ولعل الملاحظ لتلك السلسلة المتلاحقة من استقالات الحكومة وحل المجلس يدرك القدر الكبير من الخسائر التي تلحق بالمجتمع الكويتي ككل، من جهد وتكاليف باهظة تضيع دون فائدة تذكر، إضافة لتوقف عجلة البناء ومسيرة العمل، خاصة في ظل الاستجوابات المتزايدة بشكل واضح، فقد شهد مجلس الأمة الكويتي منذ عام 1963م إلى عام 2000م تسعة عشر استجوابا، بينما كانت الأعوام من 2000م إلى 2010م تشهد ثلاثين استجوابا.

إن وظيفة نواب الأمة لا تتوقف عند حدود مراقبة أعمال السلطة التنفيذية ومحاسبتها فحسب، وإن كان ذلك من أهم ما تقوم به من أعمال، بل تتجاوز ذلك ليكون المجلس هو المسئول المشرع الذي يضع مصلحة الكويت وأبناءها فوق كل الاعتبارات الضيقة، تمسكا بما يحقق الخير للمجتمع..كل المجتمع، وها نحن نواجه الكثير من الأزمات والمشكلات العالقة بانتظار أن تنتهي كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلافاتها الشخصية الدائمة، وتتفرغ لخدمة الأمة ومواجهة تلك المشكلات.

إن الناخب من أبناء الكويت وقد أوصل النائب لقبة البرلمان لم يكن يتطلع لأن تكون محاسبة السلطة التنفيذية هي مهمته الوحيدة، بل هي إحدى المهام التي يتحمل مسئوليتها باعتباره سلطة تشريعية سامية، فكيف أذن نترك بعض صغائر الأمور تلهينا عن كبارها، فلتتقدم كل من السلطتين نحو الأخرى، لا من أجل مصالحهم وإزالة تلك الخلافات فحسب، بل من أجل ما هو أسمى بكثير، وهي مصالح الشعب، فما المجلس والوزارة إلا فريق متكامل، والأصل أن يكونا في جانب واحد يكمل كل منهما دور الآخر في خدمة الأمة وإعلاء شأنها.

أتساؤل أين نوابنا الآن من سابقيهم الذين حملوا الهم الكويتي بمسئولية كبيرة؟ أين هم من أحمد الربعي وأحمد الخطيب وعبد الله النيباري؟ وأين هم من سيد عدنان عبد الصمد وناصر صرخوه ومن فلان وفلان وفلان من نوابنا الأفاضل الذين خطوا اسم الكويت بأحرف من نور؟

هي دعوة صريحة لكل ناخب أن لا يتوقف دوره عند التصويت فقط، لا بد لك أيها الناخب من محاسبة من أوصلته للمجلس، فيما إذا كانت تصرفاته تعكس الإرادة العامة، وتخدم المصالح المشتركة لأبناء الكويت، أم هي كانت مجرد شعارات تقدم بها كوسيلة للوصول.

إن متابعة النائب بعد وصوله لقبة البرلمان هي التي تعكس وعي الناخب وتطلعاته وآماله وقدرته على اكتساب الخبرة والتميز بين الصدق والخداع، فلا تكن لقمة سائغة أو درجة تتحقق من خلالك إرادة الغير.

إن كل ما قيل لا يعني أن كل من وصل لا يعنى بالهم الوطني، فهناك منهم من يكابد لخدمة الوطن وتحقيق المصالح العامة، ونحن بالتأكيد نشد على أياديهم ونشحن هممهم ونبارك كل ما يقومون به، ونتطلع أن يكونوا قدوة لغيرهم ممن جعل على قلوبهم غشاوة فلا يرون غير ما يتطلعون إليه من مكاسب، فكما قال سبحانه  تعالى :

“أولئك هم الخاسرون”.

مقتطف من كتاب تطلعات مشرقة

تعليق 1

  1. […] سبتمبر ۲۱, ۲۰۲۲ […]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *