الإبداع .. رسالة

كثيرةٌ هي الإبداعات ومناحيها العلمية والأدبية والفنية ، وكثيرٌ هم مبدعوها الذين يخرجون عن المألوف باختراعاتهم وابتكاراتهم ومؤلفاتهم ويفكرون خارج الصندوق.

فمنهم من أفاء الله عليه بالعلم الغزير الذي تفانى في تحصيله وجمع أطرافه وأحب العطاء فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وجمعها ونقلها إلى من بعده ، ولم يألُ جهداً في نشرها لينتفع منها الآخرون وعمل على توريث تلك المعارف حتى لا تندثر وينقطع بها نهر العلم ولا تكون منها الفائدة المرجوة ، وذلك عملاً بالحديث الشريف: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )، تحسباً منهم لما قد يواجهونه من بعض المعوقات التي تقف حائلاً بينهم وبين استمراريته، سواء لظروف خاصة يمرون بها أو مشكلات حياتية أو تقدم في السن أو إحباطات مجتمعية غير مواتية لهم لتحقيق ما يريدون أو يصبون إليه .

ومنهم من منّ الله عليه بالعلم ولكن بخل بعلمه وانفرد بها رغبة منه في احتكاره إما لمصالح شخصية أو خوفاً من أن يُسرق علمه، وأحياناً تكون بسبب حبه للانفراد بهذا العلم حتى لا يورث أو ينقل للآخرين وتنسب لهم وليس له.                          

 في الحقيقة لا أريد أن أكون مع أو ضد أي فئة منهم ، وذلك يرجع لقناعة كل منهم وما يطمح إليه ، فهل هذا المبدع يهدف بأن يحيا اسمه خالداً حتى بعد وفاته ، أم يريد أن يفيد الناس بعلمه فترة حياته فقط ويكتفي بذلك ؟.

إن الناظر للنوع الأول من المبدعين والعلماء يجد أنهم يحرصون كل الحرص على نقل علومهم وخبراتهم العملية إلى من يأتي بعدهم و يبحثون عن من يخلفهم في علمهم،  وينتقون تلاميذهم  بحيث  يجدوا من تتوافر فيه الصفات التي تأهله لمواصلة تلك المسيرة العلمية بجدارة ، ومن أهم تلك الصفات حسن الخلق والشغف بالمعرفة الإبداعية ، وأن يكون صاحب رؤية مستقبلية وفكر خلاّق على المدى البعيد بحيث يصبح عنصراً مُضيفاً ، وأن يكون مدركاً لمسيرة معلمه وأهدافه، سائراً على نهجه مجلاّ له ومعترفاً بجميله وحقه.

فبحسن الاختيار يستمر العطاء وتُنقل الخبرات وتُدفع بالأفكار نحو التقدم والتطور ، وبسوء الاختيار يدفع بالعلم نحو اتجاه سلبي مضر يهدف لتحقيق مصالح فردية أو مكاسب مادية أو إلى عدم تحقيق التطلعات والأهداف .

من هنا كان حريّ بعلمائنا ومبدعينا أن ينقلوا علومهم وإبداعاتهم للأجيال القادمة مع أفضل اختيار يتاح لهم حتى يستمر نمو المعرفة الإنسانية ، تلك المعرفة التي هي أشبه بكائن حي ينمو ويكبر، لتضخ دماء جديدة في كافة مجالات الإبداع المختلفة  .

فأعظم العلوم والإبداعات نزلت على قلوب من عملوا على نشرها بين الناس ولم يستأثروا بها لكسب الثواب والأجر وطلباً لاستمرارية العلم و فائدة الآخر ، لا على قلوب من احتكروها وجعلوها حبيسة العقول والأدراج. فلندعم إبداعاتنا بتبني القدرات الإبداعية في تنشئة جيل نصنعه بأيدينا من أصحاب المواهب المتميزة ضمن استراتيجية عمل واضحة المعالم بهدف العطاء المستدام وخدمة المجتمع والوطن عبر الأجيال المتتابعة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *