ما من أحد لا يتمنى أن يكون له ولدا أو أولاد يتمتعون بقدرات ومهارات إبداعية، فهو ـ أي الابداع ـ موهبة فطرية توجد عند جميع الأفراد بدرجات متفاوتة، ويتميز المراهقون منهم خصوصا بقدرة غير عادية من الدهشة وحب الاستطلاع، الذي يدفعهم لتوجيه الكثير من الأسئلة حول العالم الذي يحيط بهم، سواء كان بيئة طبيعية أو مكتسبات بيئية مستجدة، أو مظهرا من مظاهر الحياة الإنسانية. وهذه السمة هي اللبنة الأولى من عملية الإبداع.
إن الحد الأدنى من عمر الإنسان الذي يمكن الموهبة من الظهور والإبداع في الغالب هو سن الرابعة عشرة، ففي هذه السن أو بعدها بقليل شرع عدد من الشعراء العرب ينظمون الشعر كطرفة بن العبد وكعب بن زهير وأبي تمام والمتنبي والمعري وجبران والشابي والجواهري وغيرهم. فمن المعروف أن الإبداع يبدأ في سن المراهقة ثم يستمر دون أن يقف عند سن بعدها.
ولأن الطفل ينمو بمقدار ما توفره البيئة الاجتماعية من عوامل التربية ومقوماتها، فالإبداع له جذور اجتماعية، يجب علينا أن لا نغفل دور الأسرة والمدرسة والجهات الحكومية والخاصة التي تعنى بهذه الفئة.
وتتضح الصورة بدرجة أكبر في عصرنا الحديث، فقد أصبح من الطبيعي أن تذيع وسائل الإعلام بين الوقت والآخر أنباء عن مراهقين نبغوا في تكنولوجيا الكمبيوتر لم تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة سنة، بل إن بعض هؤلاء الصغار ممن تطلق عليهم وسائل الإعلام اسم “كمبيوتر كيدز” أو أطفال الكمبيوتر، تحولوا بين يوم وليلة إلى مليونيرات ورجال أعمال، فقد استطاع هؤلاء الشباب بيع برامجهم المبتكرة إلى شركات عملاقة، دفعت لهم الملايين نظير شراء هذه البرامج، ومن أبرز الأمثلة الناجحة في هذا الإطار شاب كندى يدعى “جورج أنطوني” في الـ18 من العمر، حيث استطاع هذا الشاب أن يبتكر برنامجًا تسويقيًّا على شبكة الإنترنت اجتذب العديد من الشركات الكبرى في أمريكا الشمالية في مجالات الكمبيوتر والسياحة والفندقة والتجارة وغيرها، وقد تهافتت هذه الشركات، ومن بينها مايكروسوفت، وبعض شركات إنتاج السيارات الكبرى مثل: كرايسلر وجنرال موتورز، على شراء مساحات تسويقية في برنامجه؛ مما حقق لها بالفعل أرباحًا كبيرة.
وهناك مثال آخر لشابين في السادسة عشرة من العمر من أصل عربي، الأول: اسمه حسين، والثاني: رحيم، وهما من سكان مدينة “فانكوفر” الكندية، وقد نجح حسين ورحيم في تصميم برنامج ترفيهي علمي، دفعت فيه شركة أمريكية مبلغ مليون ونصف المليون دولار نظير حق الاستغلال، وقد استضافت عدة محطات تليفزيون كندية هذين المراهقين. أتساءل في نفسي أين نحن في هذا المحيط العربي من تلك الإبداعات؟ ومن هؤلاء العباقرة المفترضين؟ مع توافر كل تلك الامكانات المادية الهائلة، التي لو سخرت في نطاق العلم والتشجيع على الابتكار والإبداع لكان لنا مركز مرموق يحتذى به وقدوة للآخرين، واستعدنا دورنا التاريخي الذي ما زلنا نتغنى به.