أفقدت وسائل الاتصال الاجتماعي الإعلام التقليدي الكثير من أدوارها المعرفية وشعبيتها، وفرضت نفسها بقوة على الساحة الإعلامية نظرا لتمتعها بسقف حرية مرتفع، وأتاحتها الفرصة لكل أفراد المجتمع بالمشاركة في صياغة المادة الإعلامية ونشرها، ورغم الإيجابيات الكثيرة لهذه الوسائل، إلا أن الأمر لا يخلو من السلبيات الواضحة التي نشهدها في بعض الأحيان، فلم يعد التخصص وحده أو المعرفة العلمية يمنحان الحق بإبداء الرأي المتخصص، فبدأ التعدي على التخصصات واضحا وجليا، وأخذت يعزو المجتمعات بعض من نوافذ الثقافة المغلوطة والمضللة، وأصبح الفرد يبدي رأيه بأدق التخصصات دون علم ودون معرفة، وبات الارتجال في طرح الآراء عند معظم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي سمة لا يمكن إنكارها، فكان اختلاط الغث بالسمين نتيجة حتمية، وخطرا يهدد ثقافة المجتمع وينذر بالانفلات الإعلامي الوشيك.
ولأن بعض المواضيع الاجتماعية تتمتع باهتمام الكثير من أفراد المجتمع من الشرائح والفئات المختلفة، وتفتح المجال واسعا أمام محبي التنظير الباحثين عن فرصة للظهور من خلال محاولات لطرح الآراء والمشاركة، لاسيما إذا اتسمت بعض المواضيع باتفاق المجتمع حول إيجابياتها أو سلبياتها.
وانطلاقا من تخصصي كاستشاري في علاج الإدمان، وخبرتي العلمية في مجال علاج المدمنين، وهو علم وتخصص دقيق لا مجال به للتأويل والتنظير والارتجال في طرح الآراء والتوقعات واستخلاص النتائج جزافا، فقد هالني وأزعجني في وسائل التواصل الاجتماعي ما أراه من قبل البعض على اختلاف مستوياتهم العلمية من آراء وتحليلات لا أساس لها من الصحة.
ولعل ما يزيد سخطي أن البعض بات يدعي أنه خبير في إعداد البرامج العلاجية ولديه القدرةعلى تقديم الاستشارات للمدمنين وآهاليهم لمجرد أنه قرأ بعض المعلومات على صفحات الإنترنت، أو تزود ببعض النشرات، فتساءلت بنفسي كيف وصل البعض لهذا النوع من التكسب والاتجار بمشاعر الناس؟ هل يستحق مبلغ مالي أن نخدع أنفسنا ونستغل فئة من أبناء المجتمع هم أكثر حاجة لدعمنا وتضامننا ووقفتنا معهم.
إن المدمن وفق جمعيات طبية عالمية والكثير من الدراسات التخصصية الدقيقة وإجماع الكثير من دول العالم المتقدم هو مريض بحاجة للعلاج، فلنتوقف عن استغلاله وتجريمه والتهكم عليه دون أن نعرف ماهية الإدمان.
ربما لا يمكننا أن نجرم البعض لمجرد إبداء رأي غير مسئول أوتحليل اعتباطي لا يدعم بالمعرفة، لذلك أنا لا أخاطب هنا سوى الضمائر والحس الإنساني لجميع مستخدمي التواصل الاجتماعي وأطالبهم بتوخي الحذر، فكلمة في غير مكانها أو منشور عبثي أو فيديو من قام بإعداده إنسان لا يتمتع بالمسئولية قد يودي بحياة مدمن متعافي أسأت إليه دون معرفة ودون قصد، وأنا بحكم تخصصي في علاج الإدمان أرى بأن بعض المشاركات في هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل عقبة في رحلة الكثير من المدمنين نحو التعافي، وبات بعض المدمنين الذين أقوم بعلاجهم تظهر عليهم علامات الاستياء والتراجع والخيبة والشعور بالاضطهاد غير المبرر، وتشكلت فجوة واضحة بينهم وبين ذويهم باتت تهدد تماسك بعض الأسر، فمنهم من تعرض للطرد، ومنهم من أوشك على الطلاق وغير ذلك الكثير.
إن ضمير الإنسان قادر على التمييز بين الحرية الحميدة والفوضى المؤذية، وأنا أناشد جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالابتعاد عن هذه الأفعال والمشاركات، فحياة المدمن ليست مجالا مناسبا للسخرية والتهكم والتسلية، إنما هو فرد من أفراد مجتمعكم يحتاج لكل يد تمتد لتعينه وتساعده على التعافي، فكونوا معه لا عليه.