ينشغل كثير من المجتمعات الديمقراطية بالحوار حول عدد من القضايا الناجمة عن مساحة الحرية المتاحة، ومما لا شك فيه بأن تلك الخلافات التي عادة ما تكون هي نتيجة طبيعية، نظرا لاختلاف وجهات النظر، وعدم التوافق بين شتى طبقات من المثقفين، وغير المثقفين حول تلك القضايا.
ولعل أهم تلك القضايا تتمثل في مبدأ حربة الرأي، ذلك أنها من أبسط الحقوق المتاحة للحوار، فهي أساس العمل بمبادئ الديمقراطية، لكن المؤكد أن كل ما يطرأ على المجتمعات يتعرض للتقييم فيما له وما عليه، إيجابياته وسلبياته، فتأتي ظاهرة الانقسام إلى فريقين ما بين مؤيد ومعارض لتكون أداة للحكم عليها، فنرى البعض يتناول حرية الرأي بأنها جزء لا يتجزأ من مجتمع قوي مثقف واعي يستطيع أن يتصدى لأي فكر دخيل ينهش ويشتت قوة الجماعة، بينما يعتبرها البعض الآخر معول هدم ودمار، وأداة لتمزق المجتمع وانسلاخه عن التراث ومصوغا للفوضى، ذلك أن تلك الحرية تفتح المجال واسعا لمشاركة كافة طبقات المجتمع لتقدم كل منها آرائها دون تحفظ.
والحقيقة أننا نجد جزءا من الصحة في الرأيين، ذلك أننا نرى أن الرأي الحر لابد وأن ينطلق من أساسيات ثابتة تبنى عليها تلك المساحة المتاحة لطرح الآراء، فلا بد أولا من العمل على تربية جيل له شخصية واضحة في احترام ذاته واحترام الآخر ليتحمل مسئولية القرار المبني على الحب والتسامح وامتلاك الجرأة والشجاعة في تقبل رأي الآخر دون تجاوزات، وثانيا علينا العمل على غرس المبادئ الرافضة للفتنة والعنف والتعصب، التي من شأنها تفتيت مقومات العمل الجماعي، والتأكيد على كيفية ممارسة الحق في التعبير عن آراءه وقناعاته في الوقت المناسب لذلك دون الإجحاف بحقوق الآخر.
وفي مثل هذا المجال تبرز أهمية المدرسة لما لها من دور في صقل شخصية الطالب وتنشئته على أسس وطنية واجتماعية وإنسانية سليمة، ليتسنى لنا إعداد المواطن الصالح، ولذلك نرى أن على وزارة التربية تقع مثل تلك المسئولية الأخلاقية، فلا بد لها من العمل على الكثير من الأمور منها،
أولا: لإنجاح المعلم في الدور الذي يقوم فيه لابد من توفير البيئة الصافية من خلال التأكيد سلوكيات المعلم في التأني والصبر لإيصال المعلومة والإجابة عن أسئلة الطالب بكل هدوء، وإعطائه الوقت الكافي للتعبير عن رأيه والتصحيح له دون اللجوء لأسلوب العنف والتذمر، ودون التعصب أو التحيز لرأي دون آخر وإتاحة الفرصة للطالب للمشاركة بآرائه الخاصة.
ثانيا: العمل على توفير مناهج تعليمية تعنى في غرس روح الحوار، والجرأة في طرح الآراء، وتقبل آراء الآخر، وهذا الأمر في غاية الأهمية، لذلك نحن نسلط الضوء على آراء بعض التربويين للإفادة منها، فكانت الأسئلة تتمحور حول المرحلة الدراسية التي يجب أن يتعلم الطالب أن يعبر فيها عن رأيه وبحرية، وما إذا كانت المناهج التربوية المقررة تساعده في إبداء الرأي بحرية تامة، وكذلك حول ما بقع من أخطاء في مفهوم الحرية في الرأي.
قالت السيدة ريهام رمضان( مدرسة مادة التربية الإسلامية في المرحلة الثانوية): بعد خبرة 12 سنة في مجال التدريس أرى أن يجب على الطالب بأن يتعلم كيف يعبر عن رأيه من المرحلة الابتدائية دون خوف مع التوجيه الدائم حتى لا يتخطى الحدود التي يجب الالتزام بها اتجاه دينه ومجتمعه، لكن مناهجنا التعليمية للأسف لا تعنى بغرس هذا الجانب، لأنها تعتمد على التلقين والحفظ، دون أن تترك للطالب الدور الكافي لاستنتاج المفاهيم بنفسه. وعليه يجب التأكيد على القيم والمبادئ الأخلاقية والدينية في المناهج التربوية، مع التأكيد على دور الوالدين على تعليم أبنائهم آداب الحوار وإبداء الرأي مع الالتزام بالضوابط الأخلاقية والدينية.
وقالت م.ف( مدرسة مادة الاجتماعيات في المرحلة الثانوية) ولها من الخبرة 15 سنة: إن أنسب مرحلة لتعليم الطالب كيفية التعبير عن رأيه بحرية هي المرحلة الثانوية، وذلك لقدرته على أن يعبر عن رأيه بتجرد، ولكل من المعلم ووسائل الإعلام دور بارز وأساسي في تكوين وعي الطالب فيما يرى ويشاهد في المجتمع الخارجي وخفاياه وبصوره صحيحة.
أما السيدة/ مريم كرم (مدرسة مادة الاجتماعيات في المرحلة الابتدائية)، ولعل من الخبرة خبرة 22 سنة، فقد قالت: إن حرية التعبير عن الرأي يجب أن تبدأ منذ المراحل الأولى من عمره قبل أن يدخل المدرسة، وإن المناهج مثل اللغة العربية والاجتماعيات تمكن الطالب من التعبير عن رأيه خاصة النواحي الوجدانية بحرية تامة. ولكن الحرية يجب أن تكون ذات حدود معينة، فلا يتعدى فيها الشخص على حدود الآخرين، لذا على وزارة التربية إثراء المناهج التربوية بشكل أوسع وموضوعات أكبر، بحيث يستطيع المتعلم إبداء رأيه بسهولة، ولا ضير من توفير ساعة دراسية يحدد فيها المتعلم موضوع يتكلم فيه بحرية تامة، بحيث إذا أخطأ يكون تحت أيدي أمينة توجهه للطريق الصحيح حتى لا ينحرف، وكذلك يقع على عاتق الأسرة دور كبير لتنمية هذه الموهبة، وذلك عن طريق إعطائه مساحات كبيرة ومختلفة للتعبير عن الرأي بحيث لا يتعدى حدوده.
وأكدت السيدة/ معصومة دريع (مدرسة مادة الاجتماعيات في المرحلة الابتدائية) رأي زميلاتها، وذلك من واقع خبرتها في سلك التعليم والذي تجاوز (15 سنة)، وأضافت بأن للمجتمع دور كذلك من خلال تقبل حرية الرأي من الأفراد بجميع مستوياتهم.
ومن خلال ما سبق يتضح لنا دور المدرسة في غرس فضيلة الفكر الحر وإبداء الرأي المجرد، ولا يخفى علينا بأن هذه الفضيلة فطرة وجدت في بني البشر، وحرص الإسلام على تفعيلها، فهذه نعمة علينا الاستفادة منها قبل أن تتحول إلى نقمة.
هي دعوة للتربويين كل من موقعه لنبدأ الحوار لحل قضية الحوار الحر والفكر السليم، ودعونا نتبنى جيلا قائدا ينشأ على ثقافة التسامح والحوار البناء المبني على احترام التنوعات والتعدد الفكري من شتى أنحاء العالم.