أصدقاء المسجد أخرجوه من عزلته فأصبح سعيدا
والدي لا يفهمني وطلباته يجب أن تنفذ
يحاول مصادقتي.. لكنه ينتقدني وينهرني دائما
أثق بابني لذا منحته حرية التصرف
تعتبر مرحلة المراهقة رغم قصر مدتها من أهم مراحل حياة الإنسان لما يلفها من غموض وما يشوبها من تغيرات نفسية تعتري شخصية المراهق، وهي نتيجة طبيعية لتغيرات هرمونية وجسمانية تشعره بأنه على عتبة مرحلة الرجولة أو الأنوثة التي تتطلب استقلالية الشخصية وحرية اتخاذ القرار. وفي هذه المرحلة يتعرض المراهق إلى اختلال نفسي يؤدي إلى شعوره بالقلق والاضطراب لمدة زمنية طويلة، وقد تتصف تصرفاته بالحلم والوداعة.
ونتيجة لذلك تداهم المراهق رغبات كثيرة ومتنوعة تجعله غير مفهوم لدي ولي أمره وأسرته، مما يجعل التعامل معه صعبا، فلا يستطيعون تحليل تصرفاته وسلوكياته، وبالتالي يصعب عليهم إرشاده بالطريقة الصحيحة نحو ما ينفعه وما يضره، خاصة إذا كان ولي الأمر يعاني فقرا غب المعلومات عن هذه المرحلة ومدى أهميتها في حياة أبنائه.
وقد تحدث فجوة أو شرخ في العلاقة بين أولياء الأمور وأبنائهم نتيجة لسوء فهم تلك الظروف الخاصة التي يعيشها المراهق، الذي يلجأ إلى البحث عن بديل “صديق” يشعر معه بالأمان والاستقرار ليشعر بكيانه وشخصيته، مما يجعل نتائج ذلك مفتوحة على الأبواب كلها،
ويتوقف الأمر هنا على طبيعة هذا الصديق من حيث السلوك، فإذا كان صالحا فقد يرفع صديقه إلى أعلى المراتب، لكن المشكلة المحتلة هنا تكمن بصديق السوء الذي قد يدخل المراهق إلى عالم مليء بالمشكلات والمصاعب.
يثير خروج الأبناء مع أصدقائهم الكثير من القلق لدى أولياء الأمور المهتمين بتنشئة أبنائهم تنشئة صالحة بشكل عام، وفي مرحلة المراهقة بشكل خاص، إذ أن المراهق تشتد عنده الرغبة في الابتعاد عن جو الأسرة التي تحكمه قوانين الأب، ويجد في جو الأصدقاء ذاته حيث يشترك معهم في الاهتمامات نفسها. ويستطيع أن يعبر عن رأيه وفرضه أحيانا، فيتأثر بهم ويتأثرون به، يأخذ منهم ويأخذون منه يمرحون على طريقتهم الخاص بعيدا عن ضوابط وقوانين الأسرة.
ويرى البعض أن خروج الأبناء لتقضية أوقات فراغهم مع الأصدقاء في سن المراهقة أصبحت تشكل خطرا عليهم، لما قد تخلفه من آثار سلبية مثل (انتشار الفساد ـ التدخين ـ والمخدرات)، فيما يرى البعض الآخر أن الأصدقاء قد يكون لهم أثر كبير في تغيير سلوك أبنائهم للأفضل، فأية كفة هي الأرجح؟ وما معنى الصداقة لدى هؤلاء الشباب؟ وما لهذه الصداقة وما عليها،؟ وما الفائدة التي سيجنونها؟ وماذا سيقدمون مقابل هذه الصداقة؟
وللوقوف على وجهات النظر المختلفة حول الأسئلة السابقة فقد بادرت “حياء” باستطلاع آراء عدد من الشباب نحو هذه القضية، والتقت كذلك عددا من الآباء والأمهات للتعرف على مكامن القلق والشكوى لديهم.
يحاول لكنه لا يفهمني
م.ع (شاب عمره 15 عاما) يقول: اقضي معظم أوقات فراغي مع أسرتي، ولكني أفضل قضاءها مع أصدقائي، لأن والدي يأخذ الحياة بجدية ولا يفهمني، فطلباته يجب أن تنفذ دائما دون نقاش.
أما ف.ج ( 17 عاما) فيقول: عندما أخرج مع والدي أحس بأنني مقيد لا أستطيع أن ألتفت يمنة ولا يسرى، فوالدي يحاول أن يكون صديقي ولكني ألاحظ من خلال جلساتنا العائلية أنه لا يضحك ودائم النهر والنقد، وأخاف إذا قلت له بأن ثمة مشكلة تواجهني أن يغضب مني ويقول “ما كنت أتوقع منك ذلك”. لذلك أرتاح مع أصدقائي أكثر، إذ أكون على طبيعتي ولا احتاج للتصنع.
يحب هـ . م (عمره 16 عاما) ويقول: أنهما متفاهمان معه ولكنه بالرغم من ذلك يفضل قضاء أوقات فراغه مع أصدقائه، إذ يستطيع ممارسة جميع هواياته مثل التدخين وملاطفة الجنس الآخر دون الحاجة إلى تبرير تصرفاته.
بابا وماما .. “دقة قديمة”.
لعل أكثر أسباب الخلاف وعدم التفاهم بين الآباء والأبناء تعود إلى اختلاف طرق التفكير بين الطرفين، ينتمي منهما إلى جيل يختلف في منظومة قيمه وعاداته عن الآخر، فيرى الآباء أن جيل هذه الأيام مائعا وسخيف الاهتمامات إذ لا قيمة عنده للأخلاق والأعراف والتقاليد، بينما ينظر الأبناء إلى أبائهم بأنهم ينتمون إلى جيل مغرق في القدم غير قادر على تفهم ومواكبة التطور الذي أصاب المجتمعات، وهنا يحدث الشرخ في العلاقة بين الطرفين، حيث يفكر كل منهم بطريقته ويدافع عن مفهومه.
وهذه ر.م (عمرها 17 عاما)ً تقول: أمي وأبي من جيل غير جيلي، وهما يريان أن كل ما أفعله من حب التنزه وارتداء آخر الموديلات وسماعي للموسيقى خطأ، لذلك دائما يوجد بيننا خلافات وشجار، وكي أريح نفسي من كل هذا أخرج مع صديقاتي وأمارس كل هواياتي من غير “عوار راس”.
الصحبة الصالحة
حالة أخرى قابلناها خلال إجراء تحقيقنا هذا، نمط آخر من الفتيات الباحثات عن الحق الذي لا يجدنه في المنزل، فالأسرة غير مكترثة لحاجة “ل.ج” ابنة الأربعة عشر ربيعا النفسية، وهي غير مهتمة لما تواجهه الفتاة من مشكلات، ولذلك فإنها تجد في صديقاتها ما يلبي حاجاتها، كالصدر الحنون الذي يمكن أن يشعر بآلامها، والصداقة الصالحة التي تحضها على فعل الخير وتجنبها الجنوح نحو الحرام، على عكس أمي كما تقول (ل.ح) وتضيف: أجد في صديقاتي قدوة صالحة لالتزامهن بالحجاب على عكس ما أجده عند أختي، ولذلك أحرص على مصادقتهن والحديث إليهن.
وقد أجرينا استبيانا سريعا طرحنا فيه بعض الأسئلة على 50 مراهقا، تراوحت أعمارهم بين 12ـ19 عاما، ثلاثون منهم ذكورا وعشرون من الإناث وكانت النتيجة:
السؤال:
- أين تقضي معظم أوقاتك؟
- مع من تفضل تقضيه أوقات فراغك؟
- ما الصفة المفضلة بشخصية صديقك؟
وللحكم على أي قضية حكما عادلا لا بد أن نتعرف إلى وجهات نظر الطرف الآخر وعلى ضوء ما دار من حديث بيننا وبين بعض المراهقين، وكذلك الاستبيان الذي أجريناه، سألنا بعض الآباء عن رأيهم بقضاء معظم أوقات أبنائهم فراغهم مع أصدقائهم، وعن دورهم في اختيار أصدقائهم، وعن السبب الذي أدى بهم إلى الرضوخ لرغبات الأبناء مع احتمال تعرضهم لمشكلات أخلاقية.
فقال (ب.ع): أنا دائم الخلاف مع أبني، فكلما حاولت توجيهه يتصور إنني أحاول السيطرة عليه ومحو شخصيته، فهو دائما يقول لي أن أبا صديقي فلان يعطيه كل ما يريده، وصديقي فلان أبوه لا يسأله عما يفعله، أخشى على أبني الهروب من المنزل أو الانحراف، ولذلك أصبحت أرضخ لكل أوامره وطلباته.
أما (ن.ك) فتقول: احترت مع ابنتي في بداية الأمر، فكلما حاولت التقرب منها تبتعد عني حتى بدأت أشعر بأنها تتهرب من الجلسات العائلية، وأن ارتباطها بصديقاتها أصبح أكثر، وصارت تفضل الخروج معهن ومجالستهن، وحين أبدي اعتراضي تثور وتغضب، وتقول بأننا نقف في وجه سعادتها، والآن أنا حائرة معها وإحساسي بأني سأفقدها للأبد يؤرقني.
الثقة والصراحة
(ح.ع) والد تعامل مع القضية من منظور آخر، إذ يرى أن التربية هي الأساس، وزرع الثقة بين الأب وأبنه يحل كثيرا من المشكلات، لكنه انشغاله الدائم يمنعه من الجلوس مع ابنه وتلبية طلباته، ويقول: أنا أثق بكل قرارات ابني، فقد ربيته على الثقة والصدق، ونظرا لانشغالي الدائم أعطيته حرية الخروج مع أصدقائه، وحتى لو لم يعجبوني، لثقتي بأنه سيعود لي عندما تواجهه مشكلة، وبهذا يستطيع الاعتماد على نفسه واتخاذ قراراته من خلال اكتسابه خبرة في الحياة.
الانطوائية مشكلة أخرى
يشكل خروج الأبناء الدائم من المنزل هاجس معظم الآباء، لكن انطواء الأبناء على أنفسهم وعدم قدرتهم على إنشاء صداقات مشكلة أخرى يواجهها بعض الآباء، فالشاب بحاجة إلى صديق في مثل سنه يشاركه اهتماماته وأحاديثه.
(أ.ز) قال لنا عن حالة ابنه، لقد كان أبني في بداية سن البلوغ صعب المعاملة عصبي المزاج، ولا أستطيع التفاهم معه، فهو انطوائيا لا يخرج من البيت، وصدفة تعرف بالمدرسة على زملاء له بنفس المرحلة الدراسية، فأصبح يخرج معهم إلى المسجد والمجالس الدينية، وشعرت براحته النفسية، وأنا مرتاح من هذه الصحبة التي حققت ما لم أستطيع أنا تحقيقه له.
وقد تكرم سماحة السيد محمد باقر المدرسي بمشاركتنا برأيه في هذا الموضوع، وكانت إجابته على أسئلتنا على النحو التالي:
من هو الصديق؟
ـ نستوحي من الكلمة أن الصديق هو الإنسان الذي استطاع أن يتعامل مع الآخر بلا غش ولا دجل، ودون كذب أو نفاق، فالصديق هو الإنسان الذي يتعامل معك وفق القيم والأسس الإنسانية والإسلامية، يحب لك الخير ويقدمه لك ويسعى لمساعدتك عند الحاجة، والصديق هو من يعينك على فعل الخير، فيكون لك سلما للرقي إلى المجد ورفع الدرجات في الآخرة، ويقول نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):”ما أحب عبد أخا في الله، إلا أحدث الله له درجة في الجنة”. حديث شريف.
ما المعايير الأساسية لأختيار الصديق؟
ـ المعيار الأول هو معرفة خلق الصدق والشخصية وما يحمله من كمال نفسي، علينا أن نبحث عن الصديق الذي يتمتع بالعلم والحكمة والعقل ونصادقه، ونتجنب الصديق الأحمق الذي يريد أن ينفعك فيضرك، كما يقول الحديث الشريف، أما المعيار الثاني فهو التوافق الروحي مع الصديق الذي تختاره، فأنت حين تختار صديقا إنما تريد أن يدفع عنك ثقل الحياة وهمومها، ويخفف عنك عبء المسئولية وصعوبتها، وهناك معايير أخرى ندعها لوقتها.
ما الآثار السلبية لمرافقة أصدقاء السوء؟
ـ روح الإنسان (سراقة) تسرق من الآخرين طباعهم، سلوكهم ونمط حياتهم، وحتى أفكارهم، فإذا صادق المرء صديقا سيئا فإن من أخطر السلبيات التأثير في عقيدة الإنسان، وتغيير بصيرته، فهو بحكم مجالساته الكثيرة مع صديقه يبدأ بالتقاط أفكاره المنحرفة، وتبدأ هذه الأفكار تنخر في مبادئه وتبعده عن أصوله التي تربى عليها، ثم تأتي الخطوة الثانية في تأثير الصديق السيئ على علاقات الإنسان بأهله وأقربائه، حيث يخلق حالة من سوء الظن بهم، ولعلكم شاهدتم انهيار بيوت وعائلات وتفكك علاقات متينة، بل حتى زيجات على أثر مصادقة رجل سوء، ومن هنا فإن صديق السوء يؤثر على الحياة السليمة الطيبة في كل جوانبها الفكرية والاجتماعية، وحتى الأخروية، ويقول الله تعالى ” يوم يعض الظالم على يديه ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا، لقد ضلني عن ذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا”. فلاحظوا كيف يعبر القرآن عن الخليل، ويتحول خليل السوء في العبارة القرآنية إلى شيطان، ويخذل الإنسان في آخر المطاف، ومن هنا يحذر الإسلام من صديق السوء، إذ يبين واقعة التخاذل في مواقع الشدة والخطر مع كونه المسبب لوقوع الإنسان في المنزلق الخطير أجاركم الله من أمثال هؤلاء.
كيف نحمي أبناءنا من الفساد المتفشي في المجتمع (كالمخدرات)؟
– إن الوسيلة الأولى لحماية أبناءنا وجيلنا الصاعد من الانجراف في الفساد هي التربية الصالحة، نحن بحاجة ماسة إلى العناية بأطفالنا من حيث المفاهيم التي نرسخها في أذهانهم. وعلينا أن نوضح لهم ضرر هذا الأفيون المهلك، تماما كما ننهاهم عن الأعمال الخطيرة على حياتهم ونحذرهم منها، وفي الحقيقة يجب على الوالدين قبل إرشاد أبنائهما أن يكونا مثلا لهم في الامتناع عما يضر بدينهم وبدنياهم حتى يتأسى بهما الأبناء، هذا على صعيد الجهد الشخصي، أما على صعيد الجهد العام فيلزم تضافر الجهود والمشاركة في تأسيس مؤسسات ومراكز تقوم بدراسة أسباب الفساد وانتشاره، كأن نقوم بإنشاء مركز لحماية أبنائنا من أخطار مفاسد الإنترنت، فإذا كانت هناك مقاهي إنترنت فاسدة، لننشئ بدورنا مقاهي إنترنت علمية واجتماعية ومفيدة.
ما دور المساجد والحسينيات في توجيه الشباب؟
– للمراكز الدينية دور عظيم في حياة الشباب لأن هذا الدور يأتي بعد مهمة القائمين عليها فالمسجد بإمامه والقائمين عليه ورواده والحسينية بخطيبها ومؤسسيها، فإذا قام إمام المسجد بإيجاد قنوات تستقطب الشباب إلى العمل الصالح، ضمن لجان فاعلة مختلفة ثقافية واجتماعية وأخرى خيرية، فقد تضاعف بركة المسجد وأصبح مباركا ومركزا للهداية والنور، ومن الواضح أن على الشباب أن يرتادوا المساجد كأول مركز يرتادونه، ليذكروا الله ويشكرونه على نعمائه وليجدوا بركة ذلك في حصولهم على الاطمئنان القلبي والسكينة النفسية والعلاقات الاجتماعية المتينة مع المؤمنين.
بماذا تنصح الشباب؟
– أقول لهم، أيها الشباب خذوا حذركم لا تفتنكم المظاهر والألوان، ولا تبهركم المتع الزائلة، أيها الشباب خذوا حذركم من المخدرات، فهي البوابة الكبرى إلى الضياع، والمخدرات تعني فقدان الحياة الطيبة السليمة، استفيدوا من الطاقات التي منحها الله لكم في رفعة شأنكم ووجاهة عائلاتكم وتقدم بلدكم ووطنكم، اجعلوا أنفسكم أسماء خالدة في كتب التاريخ وسطروا لجهودكم سجلات في صحف المتقدمين، إن فرصة الشباب لن تتكرر، وأيام القوة هذه لن تدوم، زاحموا آباءكم في ميادين العلم والإدارة، واشتركوا معهم في نشاطاتهم البناءة، واستفيدوا من خبراتهم وأضيفوا إبداعاتكم إلى أعمالكم، وسابقوا أجيال الأمم الأخرى في جدها ومثابرتها، وفي دراستها وعلومها اقرءوا تاريخ رجالنا السابقين، واستقوا منهم الهمم العالية لبلوغ سلم المجد والرقي.
نصيحة تقدمها للآباء
– ليكن الله في عونكم، إنه ولي المؤمنين.
وفي آخر اللقاء لا يسعنا إلا أن نشكر السيد محمد بار المدرسي على هذا اللقاء المثمر، ونتمنى أن نكون قد وفقنا لتوضيح بعض النقاط الهامة لاختيار الصديق الصالح ونتمنى لشبابنا الغالي حياة سعيدة.