اعتاد أيوب الحضور إلى عمله مبكرا ليقوم بما فاته من عمل لم يسعفه الوقت للقيام به في اليوم السابق، كان أحد موظفي إدارة حكومية عامة، تميز عن غيره بسعيه الدءوب لإنجاز ما عليه من عمل، لم يكن أيوب ليعجب بقية موظفي الإدارة الذين رأوا بأنه يؤلب المسئولين عليهم من خلال تفانيه بالعمل وإخلاصه وجديته، وكثيرا ما كان مسئوله المباشر يكرمه ويطالب الموظفين بأن يحتذوا به.
كان أيوب يشعر أحيانا بثقله على زملاءه، لم يكن يتعمد إحراجهم، يحاول مجاملتهم بالتوقف عن العمل إرضاء لهم وبحثا عن اجتناب لومهم، لكنه يشعر عندما يخلو بنفسه بأن أهمل عمله، ويحاول تعويض ذلك من خلال الحضور المبكر، لكن حضوره المبكر كان “يزيد الطين بله“، حيث يزيد ذلك من لوم المسئولين لزملاءه.
وفي ضوء ما عرف عن أيوب من إخلاص وتفاني واجتهاد كان من الطبيعي أن يعهد إليه بأهم الأمور التي تختص بها الإدارة، فعهد إليه بمسئولية الأمور المالية، وقد أصاب ذلك أعداءه وزاد غلهم وحقدهم، وبدأ كل من الحاقدين يطالب أيوب بصرف السلف المالية، ولم يكن ليقف عائقا أمام مصالحهم واحتياجاتهم، خاصة وأن ذلك سوف يسدد من رواتبهم على أقساط.
تزايدت السلف وكادت أن تأتي على خزانة الإدارة وأجبر أيوب على الاعتذار لكل من يطلب سلفة مالية، فبدأ الهمز واللمز بين الزملاء، ولأنهم لم يعودوا قادرين على تسديد ما عليهم من أقساط بدأ البعض منهم في البحث عن حل يخلصهم من تلك الأقساط، ولجأ بعضهم للتخطيط في طريقة يتخلص بها من وثائق السلف، وقد قادهم مكرهم لفكرة إحراق مكتب أيوب بما فيه من أوراق ووثائق تدينهم وتثقل قدراتهم على العيش، ورغم تردد البعض منهم في تنفيذ الأمر، لكن البعض الآخر أصر على تنفيذ الفكرة، فهي الأنسب للتخلص من هم الليل وذل النهار، وقد دفعتهم الديون المتراكمة إلى تنفيذ الجريمة.
وبعد إحالة أيوب إلى الشئون القانونية تم تحميله المسئولية الكاملة، وتم فصله من العمل وألقي خارجا، ليستعيد زملاءه العيش الرغد والحياة الهانئة.
بدأت رحلة أيوب وتحولاته بعد أن تعرض للظلم وعانى مرارته، لقد رأى الباطل ينتصر على الحق، لم يكن أيوب يؤمن بالاستعانة أو الواسطة للحصول على حقه، لكنه اليوم يوغل بعدم المبالاة، وقد كانت الواسطة أولى الوسائل التي يعتمدها لنهجه الجديد بعد أن كانت وسيلة العودة للإدارة، بل وتبرئته من التهم المنسوبة إليه، الغاية تبرر الوسيلة، هي الشعار الذي بات يحدد تصرفاته، بات أكثر استهتارا من زملاءه بالعمل، همه الأول التلاعب كي يحصل على المكافآت، والمالية منها على وجه الخصوص، لم يعد يهتم بالإنجازات، ألقى بانتمائه لإدارته وولاءه لها بعيدا.
“إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً”
لقد نسي أيوب ما كان عليه من إيمان، كان إنسانا ولم يزل، قال تعالى:”إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً“، كهذا أخبرنا الله تعالى بطبيعتنا كي نتجنب ارتكاب الأخطاء، لكننا نترك الظروف تؤثر بنا وتغيرنا، وقد تقضي على كل ما هو جميل فينا. أيوب مجرد مثل على الإنسان وتحولاته النفسية، وما تعرض إليه أيوب قد يتعرض إليه الكثير من الناس، ليشعر بأن عمله مجرد أمر مؤقت وبيته بيت مؤقت وربما يصل به الأمر في بعض الأحيان ليشعر بأنه يعيش في وطن مؤقت، فيسعى من خلال هذا الإحساس تحصيل المكاسب بأنواعها ووضعها فوق كل اعتبار.