ملتقى الثقافات الأول
العذراء الطاهرة مريم عليها السلام صفوة نساء العالمين
الحب أساس بناء المجتمعات وضمان لمستقبل آمن للإنسانية
ورقة بحث مقدمة من
غنيمة حبيب كرم
فهرس البحث |
---|
المقدمة |
الحب في اللغة ـ اسمى أنواع الحب ـ الحب اصطلاحاً ـ الحب عند الفلاسفة |
الجزء الأول : الحب من المنظور الديني: -الحب في الأديان غير السماوية (الهندوسية، البوذية، الكنفوشية، عند الاغريق) – الحب في الأديان السماوية ( اليهودية، المسيحية، الإسلامية) |
الحب من المنظور الاجتماعي: -الدور الاسري -الدور التربوي والتعليمي -دور الدولة والمجتمع المدني |
الجزء الثاني: نظرة تحليلية إلى مكامن الخلل خسائر تقشعر لها الابدان أسباب وحلول: -استبدال الحوار الحضاري بالصدام بين الاديان والحضارات – انتشار التطرف بدلا من تعزيز ثقافة الوسطية – تداول خطاب الكراهية في المجتمع بدلا من نشر ثقافة التسامح بين الناس أمثلة عن الحب وإنسانية الأديان السماوية |
التوصيات: |
الخلاصة: |
المراجع العامة: |
المقدمــة:
تثير مسألة البحث في الهدف من الحياة الإنسانية على هذه الأرض تساؤلات استدعت الإجابة عليها ظهور عقائد فلسفية فضلا عن الأديان التي ظهرت السماوية منها وغير السماوية ، هدفت في مجملها إلى معرفة معايير سلوكية لتنظيم الحياة الاجتماعية وضبط سلوكها على بوصلة الخير والتسامح في نفوس البشر .
هذه المعايير هي التي تحدد هوية الجماعات ورؤيتها ورسالتها، والتي تحاور عقولها إلى أن تصل إلى مبتغاها ، فالإنسان ليس كائناً مادياً فارغاً وإنما هو مزيج من مكونات روحية وعاطفية يحتاج كل منها إلى إشباع ليعيش متوازناً ، ويحيا حياة تتسم بالإنسانية وتسمو به إلى آفاق رحبة تُراعي بها قيم الخير والحق والعدل، تلك التي تشيع الحب والسلام بين أفراد المجتمع الواحد، والتعارف والتعاون بين المجتمعات المختلفة.
ومن هنا، فان الحب بمفهومه الواسع يعني مصالحة الإنسان مع ذاته واحترامها ليسمو بها عن الرذائل، ثم يحب الخير لغيره ويحترم الآخر، سواء اتفق معه أو اختلف، انطلاقا من مبدأ احترامه لإنسانيته وتقديرا لمعتقده الديني أو الفسلفي، وصولا إلى تأليف القلوب وإشاعة المودة والحب ومحاصرة الكراهية في قوى الشر المعادية لإنسانية الإنسان وتوظيفه لخدمة الخير، ولم يخل دين أو فكر من العزف على وتر عاطفة الحب والكراهية لدى بني البشر لأنها ترسخ القناعات وتجذرها وتفعلها سلوكاً وواقعاً .
وبنظرة خاطفة على واقعنا المأساوي اليوم ، ومع انهيار الحواجز بين الثقافات والشعوب، وشيوع مقولة نهاية الحضارات، وانتشار أطروحة صراع الحضارات القائمة على العداوة والبغضاء ، دون العمل على ايجاد قواسم مشتركة يمكن معها بناء حضارة تمزج بين جميع ثقافات الشعوب وتستفيد من النافع في كل منها، يجب علينا أن نجد حلولاً سريعة لهذا، والتي أراها جلية في إظهار الحب الحقيقي في النفوس.
هذا الواقع الأليم الذي نعيشه اليوم وخاصة المسلمين الذين وصموا بالإرهاب ، وأنهم يتبعون ديناً يبعث في نفوس أتباعه الكراهية والحقد ضد جميع أصحاب الاديان الاخرى ومجتمعاتهم؛ وبما انعكس سلبا من حيث الحب والتسامح والسلام على كافة المجتمعات، يجب أن يتغير هذا المنظور لمعرفة جوهر الدين الحقيقي وهو ما سنعمل عليه.
لكنني، ومن نظرة متجردة من اي خلفيات دينية أو مذهبية ، فإنني اجزم بمقولة ان الارهاب لا دين له ولا مذهب، وهو ما سأوضحه في سطور هذا البحث ، وأنا على يقين بأنكم توافقونني الرأي بأن الفطرة البشرية السليمة قد انحرفت عن مسارها السوي، التي خلقنا جميعا بها، ومن هنا برزت ضرورة تحليل مفهوم الحب والبغض الذي يصل لحد التطرف، حيث سنتطرق في الجزء الأول من البحث إلى دراسة آفاق وامتدادات الحب والكراهية في الاديان لما لهذه العاطفة من أثر عميق في ترسيخ القيم والمعتقدات وتكوين الاتجاهات نحو الذات والآخر والكون والحياة والإنسان والإله، ولكونها تؤثر في مختلف القرارات التي يتخذها الإنسان خلال مراحل حياته.
وفي الجزء الثاني سوف نتطرق إلى مكامن الخلل ومحاولة تسليط الضوء على أسبابها وتقديم بعض الحلول الناجعة، مع عرض تحليل احصائي مبسط، للنتائج التي تكبدتها البشرية من جراء انتشار مفاهيم الكراهية والحرب، وأثرها على البشرية في مختلف المجالات ومحاولتي المتواضعة هدفها الوصول إلى مجموعة من الخطوات الفاعلة التي يمكن الاستناد اليها لنشر مفاهيم المحبة والسلام، وتأسيس مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
الحب في اللغة :
يدور معنى الحب في اللغة حول خمسة محاور هي : (البياض والصفاء، العلو والظهور، اللزوم والثبات، اللب، الحفظ والإمساك).
وربما فسرت المحبة بمعنى الإرادة في مثل قوله تعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) التوبة آية 108، وتأتي بمعنى الإيثار في قوله تعالى (إن استحبوا الكفر على الأيمان) التوبة آية 23، وحقيقة الاستحباب أن يتحرى الإنسان في الشيء أن يحبه واقتضى تعديته بـ (على) معنى (الإيثار). وتأتي المحبة بمعنى إنعام الله على العبد (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) المائدة آية 54، فمحبة الله للعبد إنعامه عليه ومحبة العبد له طلب القرب منه. وتأتي المحبة بمعنى الإثابة (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة آية 222.
أسمى أنواع الحُب:
هو أن يحب الإنسان إنسانا لله وفي الله، لا لينال منه علماً أو مالاً، أو يتوسل به إلى أَمر وراء ذاته، وإنما يحبه من حيث انه متعلق بالله ومنسوب إليه، إما بالنسبة العامة التي ينتسب بها كل مخلوق إلى الله، أو لأجل خصوصية النسبة أيضاً، من تقربه إلى الله، وشدة حبه وخدمته له تعالى. ولا ريب في أن من آثار غلبة الحب أن يتعدى من المحبوب إلى كل من يتعلق به ويناسبه، ولو من بعد، فمن أحب إنساناً حباً شديداً، أحب محب ذلك الإنسان وأحب محبوبه ومن يخدمه ومن يمدحه ويثني عليه أو يثني على محبوبه، وأحب أن يتسارع إلى رضاء محبوبه، وأما البغض في الله، فهو ان يبغض إنسان إنسانا لأجل عصيانه لله ومخالفته له تعالى، قال عيسى (ع): “تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إلى الله بالتباعد عنهم، والتمسوا رضاء الله بسخطهم“.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: “من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، فهو ممن كمل إيمانه“. وقال عليه السلام: “إن المتحابين في الله يوم القيامة على منابر من نور، قد اضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل شيء، حتى يعرفوا به، فيقال: هؤلاء المتحابون في الله“.
الحب اصطلاحاً:
درجة عالية من الموقف الانفعالي الإيجابي ويتموضع في مركز الحاجات والمصالح الحيوية للشخص، وهو عاطفة إنسانية مركزة ومستقرة نسبياً ومحكومة فسيولوجياً بالحاجات الجنسية.
الحب عند الفلاسفة:
ميْلٌ إِلى الأشخاص أو الأشُياء العزيزة ، أو الجذَّابة ، أَو النافعة .
الجزء الأول: الحب من المنظور الديني والاجتماعي:
- الحب من منظور ديني:
مما لا شك فيه بان الدين هو القوة الوحيدة المحركة لهذا العالم ، فعلى أساسه يعم السلام والمحبة بين الشعوب ، والتعصب من اجله قد يولد العديد من الحروب، التي ارتكبت من خلالها أفظع الجرائم البشرية. والحقيقة أن كافة الأديان تحض على الحب والتسامح بين كافة الشعوب ، ومما يشكل أرضية مشتركة للانطلاق نحو تعايش سلمي بينهم .
في الأديان غير السماوية:
من الأديان غير السماوية التي حظيت بانتشار كبير بين الناس وفي بقعة ممتدة من الأرض وكان لها الأثر الكبير في غيرها من الأديان، ومنها الأديان التالية:
أ- الهندوسية:
تبحث الهندوسية في الدوافع والرغبات والأهداف الإنسانية فتقول إن الإنسان يبحث عن أمور أربعة هي: اللذة، والنجاح الدنيوي، والأداء المسؤول للواجب ، والتحرر. وعند دراسة هذه الأمور لوحظ أن الهندوسية تقيم كل واحدة منها بمعايير الخير والشر، ولا تنكر إحداها على الإنسان، لأن الإنسان بطبعه يميل إليها ، ولكنها تؤمن بأن الإنسان الخيّر يصل اليها بأسلوب أخلاقي، والإنسان الشرير يصل إليها بأساليب غير أخلاقية، واللذة في الهندوسية تؤمن بأن العالم به إمكانيات ضخمة للمتعة، انه عالم زاخر بالجمال مليء بما يمتع حواسنا وانه لا يمكن إتباع أي نزوة أو شهوة محرمة دون التعرض للقصاص. فالإنسان يبحث عن الجاه والشهرة والمركز والسلطة لأن النجاح الدنيوي إنجاز اجتماعي متداخل بشكل كبير مع حياة الآخرين. وتبرز الأخلاقيات في الطريق الذي يوصلنا لهذه الأهداف . ويبدأ الدين في الهندوسية عندما يبحث الإنسان عن معنى وقيمة وراء ذاته الفردية الخاصة أي عندما يتخلى عن دعوى (الأنا) لديه، وينقل ولاءه للبشرية ككل ويعطي متطلباتها الأولوية قبل متطلباته . أي حب الآخرين والتمتع بأخلاقيات الإيمان معهم.
وتؤمن الهندوسية من بين أفكارها العديدة بفكرة واضحة عن (الطريق إلى الله عبر الحب) وتسمى بالهندوسية (بهكتي يوغاbhakti yoga) أي (يوغا حب الله والانقطاع إليه) يقول الله في كتاب (بهاغاد بورانا)(كما تتدفق مياه نهر الغانج بدون توقف نحو المحيط، كذلك فور سماع المحبين لصفاتي؛ تتحرك قلوبهم – باستمرار ودون توقف – نحوي ، نحو الكائن الأسمى الساكن في قلوبهم ).
وهذه ألـ (بهكتي يوغا) تمتاز بأن أتباعها هم الأكثر من بين اليوغات الأربعة الموجودة في الديانة الهندوسية. وأن الأشخاص الذين يعني الحب لهم أكثر مما يعنيه العقل أو الفكر أن تصورهم عن الله يكون تصورا مختلفا لعدد من الاعتبارات منها؛ أن الحب- في الحالة السليمة- عاطفة متجهة خارج الذات وان البهاكتي (أي العاشق المنقطع إلى الله) يرفض كل اقتراح يجعله هو نفسه الله الذي يحبه . وترى الهندوسية أن الإنسان إذا أراد أن يحب فعليه أن يستخدم جميع طاقات الحب المودعة في نفسه ليصل إلى كل أنواع الحب.
والحب في الديانة الهندوسية مصنف تصاعدي وتأخذ المودة والألفة فيه بالارتفاع تدريجياً فأولاً يأتي موقف المحمي تجاه الحامي، فالله هنا كسيد وكأب وأم ثم تأتي مرحلة الصداقة، وتأخذ صفة التقرب لله بالبروز بدرجة أكبر من الحميمية فنرى في الله الصديق أو الزميل. وفي الدرجة الثالثة يأتي موقف الوالدين حيث ينظر المريد إلى الله نظرة الأم لابنها ، وأخيرا هناك موقف العاشق الذي يكون فيه المعشوق هو الله. وقد مثلت الهندوسية الله بأشكال متعددة وهذا في رأيهم شيء مناسب فكل شكل وهيئة لله ليست إلا رمزا لشيء ما ورائي. وحيث أنه لا يوجد من بين هذه الأشكال أي شكل قادر على الإشارة للطبيعة الإلهية بتمامها وكمالها فإن المجموع الكلي لهذه الأشكال تصف الله بمظاهره وظهوراته التي لا حصر لها . وبالرغم من تعدد الصور والأشكال لله ، فان الهندوسية تحض مريدي الله ومحبيه بالرغم من تساوي هذه الأشكال والصور بالقيمة – إلا أنها تحضهم على تعلق قلب الفرد طيلة حياته بواحد من هذه المظاهر، لأنه بذلك يمكن حسب رأيهم أن ينفذ إلى أعماقه ويستفيد من قدراته الكاملة ويكون المثل الأعلى للإنسان ولا يعني ذلك أن يهمل المظاهر الأخرى وكل ما هو مطلوب منه ألا يهجر أو يترك الصورة التي اختارها مثلا أعلى في كل حياته، ويجب أن يكون لها مكانة خاصة وأولى في قلبه ، وهناك ارتباط ملفت للنظر في هذه الناحية بين الهندوسية والمسيحية فالله يمكن أن يُحب بنحو أسهل عندما يظهر نفسه بالصورة الإنسانية ( يعترف كثير من الهندوس بالمسيح على أنه الله- الإنسان، إلا أنهم يعتقدون أن هنالك تجسدات أخرى لله مثل – راما – وكريشنا – وبوذا).
هذه فكرة عامة عن الهندوسية ودعوتها للحب الإلهي والحب بين الناس معتبرة ما يخالف ذلك يصب في بوتقة الكراهية والنفور والبعد عن الود.
تبحث الهندوسية في دوافع ورغبات وأهداف الإنسان وتقييمها بمعايير الخير والشر ولا تنكر على الانسان احداها لانه بطبيعته يميل اليها، وسيدفع ثمن خياراته، والطريق إلى الله يمر عبر عدة مراحل تصاعدية توصل المريد في نهايتها إلى العشق الإلهي.
ب. البوذيــة
مؤسسها بوذا ومعنى هذه التسمية في السنسكريتية (الصاحي) ، وقد اعتبر بوذا نفسه مصلحاً ومنقذاً للبشر لا ملكاً ولا إلهاً.
وتركز البوذية في مبدأها العام ووفق تعاليم بوذا على الإخوة الإنسانية وحب الإنسان لأخيه الإنسان ، وعلى الرغم من كونه ذو أصل ملكي ونشأة أميرية ، إلا أن لباقته الاجتماعية ما كانت لتبعده عن الفلاحين والبسطاء، فكان يسير بينهم كواحد منهم ، ولم يكن الفرق بين الطبقات يعني له شيئا ، ومهما كانت درجة الفرد الاجتماعية متدنية كان يجد عند بوذا الاحترام الكامل لإيمانه بأن هذا الإنسان نظيره في الإنسانية ، وكان بوذا يدرك انه ارتفع لمستوى معرفي يفوق أهل عصره ، ولكن ذلك لم يكن غروراً بل كان يقبل هذا الأمر ببساطة ولقد رفض بشكل قاطع تحويله من قبل أتباعه إلى إله ، مؤكداً دائما أنه بشر وأنه عرضة للخطأ وغير معصوم ولم يكن لديه خيار آخر سوى أن يوافق أتباعه بأنه (ولد وجاء لهذا العالم لأجل خير العديدين ولأجل سعادة الكثيرين ولأجل مصلحة ونفع وخير وسعادة الآلهة والبشر ، انطلاقا من رحمة ورأفة لا حد لهما في العالم ) ، وقد حرص تلاميذ بوذا على محبته وتبجيله ولكن حياته تغلفت بأسرار غامضة فبقي نصفه في النور ونصفه في الظل. وبالمقارنة بين البوذية والهندوسية كديانة فالهندوسية ظهرت نتيجة تطور وتوسع روحي تدريجي بينما البوذية بدأت بظهور (بوذا) بشكله الكامل بين عشية وضحاها وأنها كما ادعى أتباعها رد فعل على المفاسد والانحرافات الهندوسية .
وتركز البوذية على الطريق إلى السعادة، من خلال فهم سلوك النفس بشكل موضوعي، واستبصار الدوافع قبل محاولة إصلاح النفس ، فكم من الأعمال يتسم بالكرم والإيثار ، وكم منها يتسم بالأنانية والاهتمام بالذات . وتشير البوذية إلى اهمية تغيير النفس باتجاه نكران الذات والمحبة والإحسان للآخرين. هذه الإرشادات العامة فصلتها المبادئ الخمسة للبوذية (لا تقتل- لا تسرق – لا تكذب- الزم العفة – لا تشرب المسكرات).
وهكذا فالبوذية تطرقت في وصاياها الأخلاقية إلى معاملة الناس بالحسنى ووفق قيم محببة وعدم ارتكاب ما يثير فيهم الكره مثل لا تسرق لا تكذب … الخ.
اذن البوذية دعوة اخلاقية لتهذيب النفس والسمو بها ، وقد نشأت كرد فعل للكهنوت ومساوئ تطبيق التعاليم الهندوسية وقد دعت الى التوسط بين التقشف المهلك والاغراق في الملذات ولم تطلق رغبات الفرد وانما ضبطتها من خلال مبادئها الخمسة.
جـ. الكنفوشية:
مؤسسها كونفوشيوس أو (كونج فو تسو) ومعناه المعلم كونج . ويجله الصينيون ويسمونه المعلم الأول ليس لأنه الأول بل لتصدره المرتبة الأولى. ولم يدع الصينيون انه صاغ الثقافة الصينية بمفرده ، لكن لا شك انه من المؤثرين والمؤطرين لهذه الثقافة.
ومن حكمه التي تنشر الحب بين الناس ما يلي: “هناك أربعة أشياء في طريق الشخص العميق التفكير والحسن الانتباه واحد منها: (فقد استطعت أن أعمله أن أخدم أبي تماما كما أتوقع من ابني أن يخدمني ، أن أخدم حاكمي تماما كما أتوقع من وزرائي أن يخدمونني ، أن اخدم أخي الكبير تماما كما أتوقع من إخوتي الصغار أن يخدمونني). وفي الحقيقة وجدت في الصين فلسفة اجتماعية تختلف عن الواقعية فقد اقترحت عدم ممارسة القوة بل ممارسة الحب الشامل (تشين أي)، وتقول هذه الفلسفة على الإنسان أن يعطف ويشفق على كل الناس تحت السماء تماما كما يشفق ويعطف على أبناء شعبه الخاص وان ينظر للدول الأخرى تماما كما ينظر لدولته الخاصة به فهي دعوة للأخوة وتبادل الحب والعطف بين شعوب العالم.
وهناك تساؤلات ما إذا كانت الكنفوشية دين أم دعوة أخلاقية؟ حيث إن المؤمنين بالكنفوشية يدعون بأن هذا الفكر هو دين، من منطلق أن الدين منهج حياة وتصور للعلاقة بين الانسان والاله والكون والحياة ، والكونفوشية دعوة للإيمان بالمثل العليا، والحقيقة إنها دعوة للإصلاح الاجتماعي قائمة على الحب والتسامح بين الناس وعلى أهمية المشاعر الايجابية في توليد السلوك النافع وآثاره الاجتماعية على الآخرين في تعميق الفضيلة والترابط والانسجام.
دـ عند الإغريق:
يمكن القول أن الفكر الديني اليوناني مر بمراحل تطورية تشبه إلى حد كبير مراحل تطور الإنسان، ففي طفولة الفكر اليوناني عبد اليونانيون الكثير من الآلهة، يمثل كل إله بالنسبة لهم حاجة نفسية أو ظاهرة كونية وقد اسقطوا على آلهتهم صفاتهم النفسية، فالآلهة تتحارب وتتعادى وتتحاب وتُنْجِبْ وجعلوا لكل إله معبداً وطقوسا وكهنة.
وفي مرحلة النضج الفكري أصبح الإله عقلاً محضاً وصورة الصورة وفكرة الفكرة على يد سقراط، وهذا العقل المحض هو علة الوجود وسبب جميع الفضائل، والوصول إليه ينحصر في خلوص النفس وصفاء الضمير الذي هو السبيل إلى معرفة الذات الإلهية التي تعتبر أساس الخير أو الخير المحض، وتعد فلسفة سقراط مرحلة مفصلية في الفكر الديني اليوناني، ثم جاء بعده الفكر الثيوجينسي الذي اعتبر الفضيلة هي المعيار الحقيقي لمكارم الأخلاق وأن الشر منبعه الأنانية والغيرة.
وبهذين الفكرين بدأت الصوفية تسري في اليونان تعشق الملذات وتعج بانحلال أخلاقي أعقب ذلك، وبعد هذا يطالعنا أفلاطون بفلسفته المثالية الروحانية التي تقسم الوجود إلى مادة ومُثل، هذه المثل موجودات مجردة غير قابلة للتحول والتغيير وهي تنزع إلى الجمال والكمال وإلى المثال، وهي علة الوجود ومنبع الخير.
وبهذه الفلسفات حاولت اليونان أن تتخلص من دينها الرسمي المتصل بالماديات والقرابين والأبخرة، فالعبادة لا تنحصر بالمحرقة والقرابين وإنما هي روحية تنطلق بالنفس إلى رحاب المثل العليا، الخير والحب، ولما كان الخير فطرة النفس وطبيعتها الحب فإن العبادة الصحيحة يجب أن تتوجه الى من هو نفس الخير وذات الحب، هذا التفكير الديني الذي يؤمن بخلود النفس هو دين صوفي عقلي الأسس قانوني الضمير مبدؤه وشريعته الحب.
حيث اشار الى مفهوم الحب الإلهي، فحاول التوفيق بين جدل الحب الصاعد وجدل الحب الهابط عن طريق فكرة السلم الإلهي الذي يسمح بالصعود والهبوط معاً، وقد بلور فكرة الصدور أو الفيض بقوله أن الكل قد صدر أو فاض عن الواحد وأن الصدور أو الفيض في صورته ضرب من الهبوط وان ما هو علوي يهتم بما هو أرضي أو دنيوي ويعمل في نفس الوقت على تزيينه، وقد أثرت تلك الأفكار .
في الأديان السماوية:
أ- الدين اليهودي:
يتجلى الحب عند اليهود في حب الحياة ، ولو كانت حياة دونية كما قال تعالى: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) البقرة الآية 96، وفي حب المال والحرص عليه قال تعالى: (ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) آل عمران الآية 75، وحب المال أمر فطري (وتحبون المال حباً جماً) الفجر آية 20، إلا أنه عند اليهود تجاوز الحدود الطبيعية إلى درجة التقديس والعبادة، ويظهر الحب عندهم ايضا في حب الشهوات والملذات المادية الجسدية ، وما ذلك إلا لأنهم اسقطوا خصائصهم النفسية على المقدسيين في ديانتهم لتبرير أخلاقياتهم، وبذلك فإن الحب عند اليهود حب جسدي مادي ولا يظهر في دينهم أي مسحة من حب الإله لذاته أو حب للخير والفضيلة التي
تعارفت عليه الشعوب، وقد انحصر الحب فيما بين أفراد جنسهم فقط، ويظهر تعصبهم في القسوة والإرهاب المذكورين في التوراة لدى دخول نبيهم إلى فلسطين فقد قتل الرجال والنساء وأحرق الأرض، ومن آثار التعصب ظهور الأخلاق التالية في نفوسهم:
- الاستعلاء والتكبر: وذلك لاعتقادهم بأنهم شعب الله المختار وأن الله اختصهم بالدين والخلافة في الأرض، وأن منهم الأنبياء والرسل.
- البغي والظلم واغتصاب الحقوق: وهذه من طبائعهم عبر التاريخ، فقد مارسوا التآمر والقتل وحاولوا قتل الأنبياء والتآمر عليهم فقد تآمروا على السيد المسيح (ع) وتعرضوا للنبي محمد (ص) وحاولوا تسميمه وقتله، قال تعالى ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) المائدة آية70.
- الحسد والحقد : وينبع الحسد والحقد عند اليهود من نظرة مريضة إلى الآخر التي تتميز بالأثرة وحب الذات الى درجة التقديس وكراهية الآخر.
- النفاق : وتنبع من الكفر والشرك والجبن وحب الحياة والمال وتحريف كلام الله ونقض مواثيقه.
- نشر الفساد والموبقات : فقد سعى اليهود بكل دهائهم إلى إفساد الشعوب الأخرى وزرع الموبقات فيهم.
ب- الدين المسيحي:
لقد بعث الله المسيح من أعماق الدين اليهودي ليعيد التوازن النفسي لديهم وليخفف من إفراطهم الحسي المادي ، لذا فالدين المسيحي يفيض بالحب والروحانيات والتسامح والمودة حتى للأعداء.
وكان يسوع يرى أن أهم صفة للإله هي المحبة والرحمة ، ودعا إلى عدم مقاومة الشر بالشر والقتال بل أن (نحب أعداءنا وأن نبارك أولئك الذين يلعنونا ونصلي وندعو لأجل الذين يسيؤون إلينا ويضطهدوننا) إنجيل متى 5/44، وأن الله (يطلع شمسه وينزل مطره على الصالحين الأبرار كما على المسيئين الأشرار على حد سواء) إنجيل متى 5/45 ، هذه الدعوات والأقوال هي من الأساسيات في الفكر المسيحي ودعواته للحب والغفران والبعد عن الكره والانتقام .
لقد كان المسيح يتدفق حبا نحو الآخرين دون النظر إلى الطبقات أو المكانة الاجتماعية ودون أن ينتظر منهم شكرا ، وكان الحب الذي رآه الناس في المسيح يشمل العصاة والمذنبين والمنبوذين والمطرودين والسامريين والأعداء ولم يكن حبا يعطي بشكل متعقل متدبر لأجل أن يتلقى شيئا في المقابل ، بل كان حبا يعطي فقط لأن العطاء طبيعته.
والأساس الذي يقوم عليه التصور المسيحي للحب كله هو: أن كل لذة بشرية مرغوبة، لكنها باستمرار ليست كافية أبدا وان الإنسان يسعى وراء سعادته ولا يعرف السلام طريقا إليه. ولقد كانت كلمة الطمأنينة أو السلام كلمة سحرية لمفكري (العصر الوسيط) يشع منها بريق جميل ولكنه مراوغ فلعدم حصول الإنسان على السلام يتنقل حائراً تائها من شيء إلى شيء دون أن يستقر له حال. لذا فان مشكلة الحب كما تظهر في الفلسفة المسيحية تبدو موازية تماما لمشكلة المعرفة. فبواسطة العقل تصبح النفس قادرة على بلوغ الحق. وهي بواسطة الحب تصبح قادرة على بلوغ الخير وعذابها إنما يأتي من أنها تبحث عنه دون أن تعرف ما الذي تبحث عنه بشكل محدد. فيكمن بؤس الإنسان في انه يمكن أن يخدع نفسه بسهولة بشأن الموضوع الحقيقي. ويمكن بالتالي أن يتألم وأن يتعذب دون أن يعرف حتى انه يخدع نفسه ومع ذلك فانه حتى في وسط لذات الدنيا نجده يبحث عن الله نفسه.
والحب البشري يشبه الحب الإلهي، فان كل حب بشري هو مشاركة مماثلة لحب الله في نفسه، فالله يحب نفسه بفضل كماله الخاص لا لسبب آخر خارج عن ذاته واذا أردنا أن يكون حبنا خالصا لماهيته الحقة فإننا يجب أن نحب كما يحب الله.
جـ. الدين الإسلامي:
يهدف الإسلام إلى إعادة برمجة النفس الإنسانية وتوظيف طاقاتها لخدمة أهدافه وفي بناء مجتمع صالح يدين بالتوحيد لله ويطبق تعاليم الشريعة في واقع الحياة، فقد قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) النساء الآية 65، ولتحقيق هذا الهدف كان لابد من بناء الإنسان الصالح في ضوء قيم القرآن والسنة النبوية ، وإعادة تشكيل قوى الضبط الذاتي لديه بحيث يكون رقيباً على نفسه ، وقد تأتي محبة الله بمعنى الميل الدائم لفعل وتمثل أوامر الله تعالى ، وتفضيل أوامره وتعاليمه على جميع ما يواجهه المسلم من احداث ومغريات ، ويطابق ميله مع أوامر الله وترك كل ما يخالف أوامره بل أن يهب المسلم ذاته وإرادته وأفعاله وماله ووقته لله ، ومن آثار حب الله استقلال الطاعات الكثيرة واستكثار المعاصي القليلة.
ومن مقتضيات الحب والرضا بالقضاء وكثرة العبادات والتقرب إلى الله بالنوافل والإكثار من ذكر الله والبعد عن المعاصي سواء معاصي الجوارح أو المشاعر فضلا عن المعاصي الاعتقادية ، وبذل النفس جهاداً في سبيله وتنفيذاً لأوامره.
ومن علامات حب الله بناء مجتمع متماسك متعاطف متراحم وبذل الروح والنفس والمال للمحافظة على أمنه واستقراره ونشر رسالة الإسلام بين شعوب الأرض قاطبة، وتطابق معايير المسلم مع معايير الرسالة والوحي ومفارقة المعايير الوضعية التي تعارف عليها الناس بحيث يصبح الهاجس الأوحد له رضا الله والفوز بمحبته.
ومن آثار حب العبد لربه الاهتمام بمعالي الأمور والتعالي عن الصغائر فضلاً عن ابتعاده عن الرذائل والمنكرات فاهتمامه منصب على أهداف عالية سامية كإحقاق الحق والعدل والمساواة والدفاع عن كل ما هو مقدس. والسمو النفسي والتحلي بالسمات العليا للمثل الأعلى وهو الله ، فالله رحيم أمر بالرحمة، فيحاول المحب أن يكون رحيماً والله غفور والمحب يسعى أن يكون غفوراً يسع بمغفرته الجميع. ويمكن القول إن من أسباب حب العبد لربه:
1- أنه مفطور على ذلك، وهذا الحب زود الانسان بطاقة وقدرات تُيسّر فيها أمور حياته وحدد عن طريقها علاقته مع الآخرين التي كان أساسها الحب والتسامح.
2- حب الله لأنه مصدر الفضائل والكمالات ، والإنسان يعشق الكمالات والفضائل وان لم يطبقها عملياً إلا أن نفسه تهفو إليها ، ومن فضل الله على الانسان انه تفضل عليه بحبه.
وبالنسبة لعاطفة البغض والكراهية، فقد وجه الإسلام المسلمين لكراهية قوى الشر والعمل على محاصرتها والقضاء عليها. وجعل أساس التعامل مع الجميع من مسلمين وغير مسلمين المساواة والعدل، واحترام عقل وإرادة الإنسان لذلك حرم الإسلام إجبار الغير على دخول الإسلام قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة آية 256.
فالحُبّ في الإسلام حالة نفسية متولدة عن قناعة المسلم بقيم الإسلام وعقائده، وتحثه على فعل الخير وحب الآخرين والتعايش معهم بسلام والابتعاد عن التطرف والتعامل مع مشاعر البغض للآخرين ، ويترتب عليها حب من الله للانسان يترك آثارا نفسية عميقة في نفس المسلم.
- الحب من المنظور الاجتماعي:
إن شيوع الحب في المجتمعات بُني على أساس معادلة الأسرة والمدرسة والمجتمع، والتي تقع عليها مسئولية غرس الفضائل والقيم الأخلاقية السوية بالتساوي في الأهمية دون طغيان أحد أضلاع هذا المثلث على الآخر، ولبناء جيل متسامح محب للإنسانية وأعمار الكون ومؤمن بالعيش المشترك علينا الاهتمام بالإنسان من النشء الى مرحلة تحمله لمسؤولية هذا الأعمار.
الدور الأســـري :
إن الآباء هم المسؤولون المباشرون لعملية التنشئة من خلال غرس القيم الحميدة في نفوس ابنائهم والتي تستمر معهم طيلة حياتهم. فاكتساب المعرفة، والاتجاهات والقيم، وأنماط السلوك الأساسية التي يتم اكتسابها تظل متلازمة مع الفرد طيلة حياته فالأطفال يتأثرون مباشرة بأحد الأبوين ومن البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها، فعلى الرغم من أهمية مرحلة الطفولة للفرد إلا أنها لا تتوقف عند هذه المرحلة، ولكنها تستمر لمرحلة المراهقة إلى أن يصبح شابا. لذا فإن المسئولية تكون كبيرة على الأسرة للاهتمام بتعليم أبنائهم على المبادئ والقيم الحميدة التي تعينهم عند التعامل مع المجتمع الخارجي، فالطفل يحتاج في البداية للإحساس بالأمان في أسرته حتى يكون محصنا نفسيا ويشعر بانتمائه لها، فعندما يغرس الآباء حب أفراد الأسرة بعضهم لبعض يزرعون فيهم الإحساس بالمسئولية وواجباتهم تجاه بعضهم بعضاً انطلاقا من مبدأ (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) حديث شريف، فتكون تلك خطوة أولى لنزع الأنانية من قلوبهم وتحمل مسئولية أسرهم ومجتمعهم وبالتالي حب أعمار الكون.
كما إن الاهتمام باستخدام التعبير عن الذات دون الخوف من ان يحاسب الطفل على أخطائه وكذلك استخدام أسلوب الحوار وتبادل الآراء داخل الأسرة فإن ذلك يعزز في نفوسهم تقبل الرأي الآخر والتعامل معه برحابة صدر دون حساسية أو تعصب كما إن تعامل الوالدين مع العائلة والأصدقاء له تأثير على تكوين شخصية الأبناء السمحة المحبة للآخرين أو العكس. كما إن عملية التنشئة هي عملية تعلم وتعليم وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي إلى إكساب الأبناء سلوكاً ومعاييراً واتجاهات مناسبة لأدوار سيقومون بها مستقبلا داخل وخارج أسرتهم، وستمكنهم من مسايرة جماعتهم والتوافق الاجتماعي معها وتكسبهم الطابع الاجتماعي وتيسر لهم الاندماج في الحياة الاجتماعية العامة.
وهنا يظهر الدور المحوري للآباء منذ التنشئة الأولى لأبنائهم، فالأطفال يتعرفون على القيم والفضائل من خلال نماذج حية يطبقها الآباء أمامهم ويمارسون سلوكاً يتفق مع مضمون تلك القيم التي يرغبون بأن يكتسبها الأبناء.
الدور التربوي والتعليمي:
إن العملية التربوية والتعليمية تسعى إلى بناء فرد متوازن نفسياً وجسدياً وروحياً، والى مخاطبة كينونته المعرفية والعاطفية لبناء شخصية متناسقة متناغمة .
فمشاعر الطلبة والمدرسين واتجاهاتهم نحو المادة الدراسية والنشاطات المرافقة لها واتجاهاتهم نحو الآخرين في العملية التربوية والتعليمية تؤثر في قدرتهم على إنجاز المهام التعليمية وتحقيق الأهداف المرغوب بها، وتؤثر العواطف أيضا في قدرة الطلبة على التواصل مع ذواتهم ومع الآخرين وعلى تقديرهم لذواتهم وسعيهم لتحقيقها من خلال النشاطات الأكاديمية والعلاقات الشخصية، وتعمل العواطف على زيادة قدرة الطلبة على التكيف مع مستجدات الحياة المتغيرة وعلى تعديل سلوكياتهم بما يتماشى مع هذه المتغيرات .
ومن أساليب بناء القيم في نفوس الطلبة قيام المدرسة بنقل مجموعة القيم والمعايير الأخلاقية النابعة من ثقافة الأمة وتراثها إلى النشء وتلقينهم إياها على نحو مباشر أو غير مباشر كموضوعات تعليمية.
لذا فإن عملية تطوير الوعي الذاتي بالقيم المختلفة هو الغاية من التربية الأخلاقية، وانه لا ينبغي فرض وجهة نظر معينة تجاه القيم والمسائل الأخلاقية المتنوعة بل لا بد من تقبل وجهات نظر المختلفة دون إصدار أحكام مسبقة، ومعالجة وجهات النظر بالاحترام ذاته لإتاحة الحرية في الاختيار والتي يمكن تحقيقها عن طريق الحوار والاتصال الفعال.
كما يتم ايضا تعليم القيم في المدرسة من خلال الأنشطة المختلفة التي توفر للطلبة خيارات متباينة وتشجعهم على بذل الجهد الواعي لاكتساب قيمهم الخاصة، وهذا يقتضي الانفتاح الفكري والوعي بالذات والآخر واحترام مختلف وجهات النظر في ضوء تبريرات عقلانية مقنعة .
ومن هنا تتضح أهمية اختيار المناهج المتضمنة لمعايير وقيم أخلاقية منتقاة بدقة بحيث تركز على قيم الحب والتسامح بين مختلف الأجناس والأعراق والأديان والطوائف، وعرضها في سياق مشوق دافع لتبنيها وتمثلها، وخاصة في المواد الدينية والأدبية والتاريخية والاجتماعية، وتزويد المتعلمين بالعديد من النماذج التي تمثل أنماطا سلوكية متنوعة عبر أبطالها وشخصياتها لذا يجب اختيار هذه المواد على نحو محكم والتأكيد على الشخصيات التي تعتبر قدوة سلوكية ومثلاً عليا للطلبة.
ولتحقيق هذه الأهداف فإننا بحاجة إلى قادة تربويين يتمتعون بوضوح الرؤيا والقدرة على تحديد الأهداف لبناء الخطط الاستراتيجية بمرونة عالية تواكب الظروف المستقبلية ، وذلك لما ينتاب العمل التربوي من تداخل المتغيرات وتعقدها وتشابكها، يكون لديهم القدرة على فهم ذواتهم وتحليل دوافعهم وهم ماهرون في التواصل مع الآخرين من معلمين وإداريين وطلبة، فالعمل التربوي يعوم في محيط بشري والتواصل ضرورة لتفعيل طاقات الآخرين واستغلال قدراتهم وتوظيفها في تحقيق الأهداف المرسومة ، فتقدير حاجات العاملين واحترام كينونتهم والتعامل الودود من قبل رؤسائهم بحاجة إلى امتلاك درجة عالية من الحساسية لاستثارة المحبة في نفوسهم وتعزيز الولاء لديهم، وكذلك إتاحة الفرصة للحوار والنقد وسماع وجهات النظر المختلفة يثري الأفكار ويولد الإبداع لديهم الأمر الذي يعتبر ضرورة في هذا العالم سريع التغير إضافة لما للحوار وسماع الأخر من قدرة على بناء خلق الحلم وسعة الصدر وبناء جسور التفاهم والاتفاق على المشترك المرغوب به والبعد عن المختلف غير المتفق عليه، مما يولد الإخلاص في العمل وتحمل مسؤولية الآراء والقرارات المتفق عليها.
دور الدولة والمجتمع المدني :
إذا أرادت أي دولة في العالم أن تبني مجتمعا قويا محبا متماسكا عليها الاهتمام بالشباب وإن جعلتهم من أهم أولوياتها، فهذا يعتبر وعيا منها لما تمثله تلك الفئة من عناصر البناء السليم، لذا عليها توفير كافة احتياجاتهم للاستفادة من طاقاتهم وتوظيفها بالطرق التي تعود على المجتمع بالنفع ودفع عجلة البناء نحو الأفضل، ولا بد لنا أن ندرك أن ذلك التوجه يتطلب الكثير من الدراسات النظرية الرامية للاستفادة من تلك الطاقات. وحتى ترسم الدول خطة واضحة عليها دراسة توجهات الشباب لتوجيههم بأسلوب يتماشى مع قدراتهم ويجب أن نضع في الاعتبار أننا نقف أمام فئة ذات شخصية مستقلة تبلورت ضمن ظروفها الخاصة، عليها أن تتعامل معها على هذا الأساس، حيث لا يمكن فرض الآراء بالطرق التعسفية والسلطة الأبوية أو المؤسسية أو غيرها من الطرق التقليدية التي تثبت الفشل يوما بعد يوم، لذا علينا نحن ان نخطو ونمد جسور التفاهم والمصالحة معهم. ففي البداية يحتاج شبابنا قبل كل شيء الى استرجاع ثقتهم في قياديي الدولة، مما يتطلب إشراكهم بتحمل مسؤولية حماية المجتمع وتعميم روح العمل كفريق واحد والانتماء والولاء الخالص له، لأنهم في النهاية سيتحملون نتائج القرارات مستقبلا، وحتى نضمن سلامة نفوسهم علينا بمساندتهم وفتح المجال أمامهم للحوار وطرح الآراء ومناقشتها، فالشباب يميلون لحب الانتماء لجماعة أو فئة معينة في المجتمع وتجاهلنا لهم سيزرع داخلهم الغضب والعنف تجاه المجتمع ويكونوا أداة سهلة الاستخدام والتوجيه للحاقدين والجماعات المتطرفة.
كما أن المجتمع المدني مسئوليته كبيرة في هذا الموضوع، حيث تقع على عاتقه مسئولية غرس حب الولاء للوطن وضرورة الترابط بين أفراد المجتمع بجميع اطيافه بعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية، وذلك عن طريق تعزيز روح الحب والتعاون في التعامل مع الجميع على أساس إنساني.
من واقع ما سبق، يتبين لنا أن القيّم هي التي تحدد وتكوّن شخصية الفرد، وتحدد انتماءه وعلاقته مع الآخرين، التي اكتسبها من المنظومة المجتمعية، والتي ستحدد اتجاهاته نحو الآخرين ونحو الأشياء من حوله، ومدى احترامه للرأي والرأي الآخر، وتقبل الآخرين مهما اختلف معهم، وكذلك مدى التسامح أو المساحة التي يملكها الشخص في تعزيز هذه القيم مع الآخرين باختلافه عنهم، بالإضافة إلى حدود الخطأ والصواب والمقبول وغير المقبول من الآخرين، ويبعده عن التعصب أو التطرف.
الجزء الثاني: نظرة تحليلية إلى مكامن الخلل:
وما توصلنا إليه من استنتاجات يدل على ما نحاول إثباته في بحثنا هذا بأن الانسان وُلد بفطرة سليمة تطغى عليها نزعة الخير والجانب الإنساني ورسالته تعمير الكون، أما نزعة الشر فيها فيمكن إخمادها بسمو الأخلاق وإتباع تعاليمها، فنحن نمر حاليا بمرحلة استثنائية أو ما يسمى مرحلة ما قبل التغيير تغلبت فيها نزعة الشر على نزعة الخير والتى أراها سببا رئيسيا لما نراه اليوم من مآسي وويلات .
فمن البديهي أن تلك الويلات هي نتاج طبيعي لهذه المرحلة التي تفتقر الى الشعور بروح المسؤولية نحو إعمار الكون في ظل استشراء الأنانية على ما سواها من الاخلاق السوية، وإلى طغيان الشعور بالاستعلاء على الآخرين، والتي بسببها وصلت الى مرحلة هي أشبه بالفناء .
- خسائر بشرية تقشعر لها الابدان :
- بعض الخسائر من جراء الحروب بأنواعها والتي كانت بسبب المصالح المتضادة بين الدول والرغبات الاستعمارية بالإضافة إلى التوظيف الخاطئ للمفاهيم الدينية .
- الحرب العالمية الأولى: مسيحيون ضد مسيحيين قتل فيها ( 15.000.000 ) خمسة عشر مليون إنساناًـ
- الحرب العالمية الثانية: مسيحيون ضد مسيحيين وبوذيين قتل فيها ( 55.000.000 ) خمسة وخمسون مليون إنساناً.
- الاحتلال الصهيوني على فلسطين عام 1948 : يهود ضد مسلمين (3.000) ثلاثة آلاف يهودي قتل مقابل (11.000) أحد عشر ألف مسلماً.
- حرب 1973 يهود ضد مسلمين (2500) ألفان وخمسمائة يهودي قتيل مقابل (15000) مسلماً .
- بعد الانتفاضة الأولى يهود ضد مسلمين: (1000) ألف يهودي قتيل مقابل (5000) خمسة آلاف مسلم قتيل.
- الانتفاضة الثانية يهود ضد مسلمين: (350) ثلاثمائة وخمسون يهودي قتيل مقابل (5500) خمسة آلاف وخمسمائة مسلم قتيل، والحرب الأخيرة ضد غزة خلفت (2146) قتيل و(11.100) جريح.
- الحرب العراقية الإيرانية: مسلم ضد مسلم (1.000.000) مليون إنسان قتيل.
- حرب يوليو/ تموز: يهودي ضد مسلم (1200) قتيل لبناني عدد الجرحى اللبنانيين (4400) جريح.
ب. بعض خسائر عمليات الارهاب كانت بسبب تطرف ثقافي أو ديني أو عرقي أو لمصالح
الجماعات مما انتجت قنابلاً بشرية إرهابية خطرة:
- الإرهاب في العراق وأفغانستان وباكستان في 2012 بلغت إجمالي الخسائر البشرية 62 % .
- الإرهاب في سوريا: ضحايا ناهزت الـ 165 الف قتيل .
- الإرهاب في العراق بعد إسقاط النظام البعثي، حوالي ربع مليون قتيل .
جـ . بعض الخسائر الاجتماعية التي أفقدت التسامح بين الناس وسببت انحرافات سلوكية له هي
بسبب حب الذات والمصالح الشخصية، والتي أثرت على زيادة العنف وتفكك العلاقات الانسانية:
العنف ضد المرأة:
أوضحت تقارير منظمة الصحة العالمية التي صدرت مؤخرا للسنوات القليلة الماضية ، بأن هناك أرقام سجلت للعنف ضد المرأة في الكثير من الدول، حيث اوضحت بأنه في فرنسا 95% من ضحايا العنف هن من النساء. وفي كندا 60% من الرجال يمارسون العنف، 66% تتعرض العائلة كلها للعنف. وفي البيرو، 70% من الجرائم المسجلة لدى الشرطة هي لنساء تعرضن للضرب من قبل أزواجهن. أما في تركيا فان60% من النساء التركيات فوق سن الخامسة عشرة تعرضن للعنف أو الضرب أو الإهانة على أيدي رجال من داخل أسرهن.
كما تشير نتائج بعض الدراسات بالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا إلى معدلات عالية منذرة بخطر العنف كمشكلة وبائية. ففى الولايات المتحدة الأميركية توضح البيانات أن نسبة تقدر بحوالى واحدة من كل أربعة من الإناث كن ضحايا للإساءة فى طفولتهن وأن نسبة من يتعرضون للعنف الجسدى تصل إلى 20 – 30% من الإناث و10% من الذكور حتى سن الرابعة عشرة.
العنف ضد الأطفال:
وعلى المستوى الدولى، تكشف تقارير “الأمم المتحدة” عن أن ما يقرب من مليونى طفل حتى سن الرابعة عشرة يعانون كل عام بسبب ما يتعرضون له من أفعال وممارسات عنف الوالدين، وأن نسبة من هؤلاء الأطفال تقدر بمعدل طفل من كل عشرة أطفال يموتون بسبب هذا العنف ، وأن 2000 طفل يتخلصون من حياتهم بالانتحار.
كما تشير بعض البيانات الإحصائية فى روسيا على سبيل المثال، إلى أن أكثر من 50.000 طفل يهربون من المنزل كل عام كى يتجنبوا ما يتعرضون له من عنف الوالدين ، وأن 38% من حالات القتل فى الأسرة كانوا من الأطفال والمعاقين والإناث ممن كانوا لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.
وفى أوروبا، تتراوح نسبة الضحايا الجنسية بين 60% إلى 62% من الإناث و31% من الذكور. وفى روسيا، تقدر نسبة الأطفال ضحايا الإساءة الجنسية كل عام بأكثر من 60.000 طفل.
أما على المستوى العربي فيشير التقرير الإقليمي لمنظمة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأن البيانات حول حجم المشكلة قليل بشكل عام وهذا يرجع إلى أسباب عدة منها أسباب متأنية لحساسية هذه القضية خاصة داخل الأسرة ومحدودية التبليغ عن مثل هذه الحوادث، وعدم توافر آليات فعالة للتبليغ وغياب الثقة في إمكانية التصدي له، مع غياب الوعي بالآثار السلبية لهذه الممارسات على الأطفال وكذلك بمفهوم حقوق الطفل. أما على مستوى دول مجلس التعاون فقد أورد اجتماع خبراء دول المجلس في إبريل 2004، بان هناك حالات سوء معاملة للاطفال على مستوى دول الخليج سواء الاساءة الجسدية كالكسور والحروق.
ارتفاع نسب الطلاق في العالم:
فحسب دراسات اجريت مؤخرا بينت بأنه في عام 2013 كانت أعلى معدلات الطلاق بالنسبة للزواج موجودة في بلجيكا بمعدل %71 – البرتغال %68 – هنغاريا %67 – التشيك %66 – اسبانيا %61 – لكسمبورغ %60 – الولايات المتحدة %53 – روسيا الاتحادية %51 – السويد وبريطانيا %47، اما على الصعيد العربي فتأتي الكويت بنسبة %42 (وهذا الرقم مقارب لدراسة وزارة العدل في الكويت لعام 2012) وتليها قطر بنسبة %33 – الاردن %25 – السعودية %21 – مصر %17 – لبنان %17 – سورية %9.
- أسباب وحلول :
- استبدال الحوار الحضاري بالصدام بين الأديان والحضارات :
إن مصطلح “صدام الحضارات” يرتبط بالمفكر المحافظ “صموئيل هنتينغتون”، ففي كتابه الصادر في 1996م يشير فيه المؤلف إلى أن الصراع بين الحضارات سيكون الطور الأخير في تطور الصراع في العالم الحديث لذا فإنه من الضروري استمرار الصراع بين الأمم و الشعوب حتي يكون هناك منتصر ومنهزم، سيد ومسيود، مستغِل و مُستغَل. كما أنه لا بد أن يكون هناك غرب متميز في مقابل شرق زاخر بالحضارات المتنوعة و المختلفة عن الغرب. والباحث المدقّق في مقولة هنتغتون عندما يتحدث عن الحضارات يجد انه يعني بها الأديان ويظهر هذا واضحا عندما يتصور أن هناك خطرا من الاسلام على الغرب المسيحي.
فحين طرح الكاتب الأميركي صموئيل هنتنغتون نظريته عن ” صراع الحضارات ” أو ” صدامها “، تصدى له الكثير من المفكرين الإسلاميين وردوا على تحليلاته، وكان من أبرز هؤلاء رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران الأسبق السيد محمد خاتمي في مقالاته الشهيرة عن هذا الموضوع، وطرح نظرية حوار الحضارات في سبتمبر 1997 خلال كلمة ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث رأى أن فكرة حوار الثقافات محاولة من أجل التفاهم بغية دحض التصادم.
كما عبر المفكر الفرنسي روجيه جارودي عن نظريته الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة على أساس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض، وسماه “حوار الحضارات”. ومن بعده تم إنشاء العديد من المؤتمرات والجمعيات والمؤسسات الداعية لترسيخ سياسة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بدلا من الصدام وتبني العديد من الكُتاب هذه النظرية ودعوا إلى تنمية الحوار بين العالم الإسلامي والغرب حتى يمكن لكل طرف أن يتفهم الآخر ويتعايش معه وقد حددت الأمم المتحدة عام 2001 م عام حوار الحضارات.
مفهوم الحوار الحضاري:
حوار الحضارات يعني التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب، والقدرة على التكيف مع الأفكار المخالفة والتعامل مع جميع الآراء الثقافية والدينية والسياسية. ويهدف إلى زيادة التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك الحضاري ويعتبر وسيلة أساسية لتجنب الصراعات.
مجالاته:
ـ المجال الديني: يتجلى في الحوار بين الإسلام وباقي الديانات.
ـ المجال السياسي: هو الحوار بين مختلف التيارات السياسية.
ـ المجال الاقتصادي: هو التعاون الاقتصادي بين الدول في مختلف الأنشطة الاقتصادية.
شروطه :
لا يحقق حوار الحضارات نجاحه المبتغى, ولا يصل إلى هدفه المنشود ما لم تتوافر له شروط هذا النجاح ومقومات تحقيق هذا الهدف.
أ. الاعتراف بالآخر :
لا يتم الحوار دون أن يكون كل من طرفي الحوار معترفاً بالآخر. فالحوار يقتضي قبولاً مبدئياً بوجود الآخر وبحقه في هذا الوجود, وبخصوصيته التي لا يجوز لأحد أن يسعى إلى تغييرها, وبمقومات استمرار بقائه مغايراً ومتميزاً, وبحقه في المحافظة على هذه المقومات وتوريثها في أجياله المتعاقبة جيلاً بعد جيل.
وفي هذا الصدد يقول الله عزّ وجلّ (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات آية 13.
ب. التبادل الحضاري :
ويعني التبادل بأن يكون لكل طرف من أطرافه حق قول رأيه وبيان موقفه من القضايا التي يجري الحوار حولها، مهما كان هذا الرأي أو الموقف مخالفاً لما يعتقده أو يفعله، أو يدعو إليه ويدافع عنه الآخرون.
وبغير ذلك يتحول الحوار إلى درس أو محاضرة، أو إملاء رأي، لا يستفيد منه المتكلم ولا السامع. فأما المتكلم فلم يستفد شيئاً من الاستماع إلى نفسه، ولم يضف إلى عقله ومنطقه قوة بتكراره إياه وأما السامع – المخالف له – فقد حرم من حقه في التعبير عن نفسه.
ج – الانفتاح الثقافي:
بمعنى أن يكون الانسان دائم الاطلاع ومجدداً لأفكاره ومعلوماته عن ثقافات الحضارات والأخرى من ثم يقوم بتبادل تبادل الخبرات والمعرفة والانفتاح على الآخرين، وهذا يتطلب منه التواصل المستمر مع الثقافات الأخرى وعدم التقليل من أهمية أي معرفة.
الدين والحوار الحضاري:
من أهم انواع الحوار هو الحوار بين أهل الأديان السماوية وغير السماوية المختلفة، والذي يهدف إلى التعايش السلمي بين المجتمعات ذات الأديان المختلفة حيث تسود فيها الأخوة الإنسانية ويجري على قاعدة المشاركة المتساوية في المواطنة لغاية اسمى تتمثل بألا يفقد أحد حقاً هو له بسبب تميزه الديني عن الآخرين، ولا يأخذ أحد حق غيره بسبب انتمائه الديني أو المذهبي. بهذه الصورة وهذا المنطق للحوار بين الحضارات والاديان يمكننا التعايش بسلام وأمان.
- انتشار التطرف بدلا من تعزيز ثقافة الوسطية:
حذرنا رسول الله صل الله عليه وآله وسلم من فتنة القاسطين والناكثين والمارقين وعن فتن آخر الزمان وما يجرى فيه من أحداث وبلايا ومحن، ومن هذه الفتن التطرف في الدين، والتي نعيش تداعيات انتشارها حاليا بين ابناء الوطن الواحد وبين بعض الشعوب بعضها البعض.
لقد روي عن الرسول صل الله عليه وآله وسلم بأنه قال: «إياكم والتعمق في الدين، فإن الله تعالى قد جعله سهلاً، فخذوا منه ما تطيقون، فإن الله يحب ما دام من عمل صالح وإن كان يسيرا».
ويعتقد البعض أن التعصب أو التطرف ينحصر ضمن الحدود الفئوية كالتعصب لدين أو مذهب معين أو لجماعة تشترك فيما بينها بسمات محددة ، إلا أن مفهوم التعصب والتطرف يتجاوز تلك النظرة المحدودة ليصل لأشكال أخرى ، فبالإضافة للتعصب الديني هناك التعصب الفكري والاجتماعي والقبلي والسياسي وغيرها من جوانب يتوفر فيها سمات مشتركة تلتف حولها جماعة ما، فتتولد من خلالها قناعات خاصة، يؤمنون بها فتصل إلى حد التأثير النفسي الذي ينعكس على سلوك الأفراد نظرا لارتكاز بعض أشكال التعصب على الأفكار والمفاهيم المغلوطة التي قد تؤدي إلى الانحراف عن السلوك السليم. وحسب الدراسات الطبية الأخيرة أثبتت (كاثلين تايلور) أستاذة علم الأعصاب في جامعة اكسفورد بأن التطرف يعتبر نوعا من أنواع الأمراض العقلية، يحتاج لعلاج.
وفي حقيقة الأمر أننا جميعا لدينا بعض من تلك الخصلة ، لكن ذلك في وضعه الطبيعي يتوقف عند الشعور الداخلي ، بحيث لا ينعكس على السلوك الخارجي ـ وهذا بحد ذاته يعتبر تعصبا محمودا ويسمى الولاء والانتماء في حال تمتع الفرد بانفتاح فكري على الثقافات والتوجهات الأخرى ـ ويعود مثل ذلك الحس الداخلي لدى الإنسان إلى الطبيعة الإنسانية، لكن إظهار ذلك السلوك بشكل مفرط لحد انعكاسه على السلوك الخارجي يتحول إلى سلوك سلبي مدمر، له العديد من الأسباب المؤثرة التي تفاعلت مع ذلك ضمن بيئة محددة.
ابرز السمات الشخصية للمتطرفين هي:
- العقلية المنغلقة والمحدودة حيث أنهم يعيشون في أجواء خاصة مغلقة ولا ينفتحون على الآخرين، ونجدهم يتطرفون في أفكارهم وأحكامهم على غيرهم.
- ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، فالمتطرفون يعتقدون أنهم مع الحق وغيرهم على باطل، ولذلك يرفعون شعار «من لم يكن معنا فهو على باطل».
- العُجب، وهو مرض من يدّعي العلم والعبادة والجهاد، سُئل السيد المسيح (ع): وما الأحمق؟ فقال: المعجب برأيه وبنفسه الذي يرى الفضل كله له لا عليه، ويوجب الحق كله لنفسه ولا يوجب عليها حقاً فـذاك الأحمـق الذي لا حيـلة في مداواته.
- الغلظة والفظاظة وسرعة الغضب.
- التعصّب والتصلّب بالرأي ، وتحولهما إلى أداة للعداوة البشرية والإنسانية.
ومن هنا فإن على المجتمعات بأن تكون على درجة عالية من الوعي والمسئولية في مواجهة كل ما يحيط بها، والتنبه للفتن بين افراد المجتمع الواحد وعدم الاستهانة بالموضوع واعتبار كونه طارئا وقتياً، لأن الأمر أبعد من ذلك بكثير، فقد يتسبب لنا هذا التراخي في المواجهة الجادة من المختصين والمسئولين على حد سواء بانهيار البنية الاجتماعية لكافة المجتمعات.
لذا أصبحنشر ثقافة الوسطية ضرورة ملحة ويجب على السلطات الاسراع بالدعوة لها مما يساعد على زيادة التراحم والتسامح والمحبة واللاعنف والتعايش والإخاء بين افراد المجتمع، والتركيز على تربية الشباب على الانفتاح الذهني لأن هذه المرحلة هي الأكثر خطراً في التشدد والتطرف، كما أن تصدي جميع المتخصصين والمسئولين والإعلاميين وخاصة علماء الدين لمد المتطرفين يساعد في عدم وقوع الناس ضحية لهم، كما يجب التركيز على تصحيح المفاهيم الخاطئة فيما يخص الجهاد وتنفيذ حدود الله، وأحكام التعامل مع الآخرين على اختلاف الأفكار والمذاهب، وغير ذلك من المفاهيم الإنسانية التي دعت إليها الاديان السماوية وغير السماوية التي محورها التوازن والوسطية، بالإضافة إلى هذا يجب الحرص على عدم التصادم مع المتشّددين لأن ذلك يزيد تشددهم خصوصاً أنهم يحملون انحرافات سلوكية ونفسية مستعدة لكل مواجهة حتى الموت.
- تداول خطاب الكراهية في المجتمع بدلا من نشر ثقافة التسامح بين الناس:
شيوع خطاب الكراهية في العالم بشكل عام وفي العالم العربي بشكل خاص أصبح من أحد أدوات الصراع على كافة المستويات (الفكرية ، الثقافية والاجتماعية والدينية..)، في ظل كم من التعاليم التي حرصت عليها كافة الاديان السماوية التي تدعوا جميعها الى سمو الأخلاق ونشر ثقافة التسامح بين الناس بعضها البعض، حيث ظهرت إحصائيات مخيفة جدا لجرائم العنف لهذا السبب .
كما أن نشر ثقافة التسامح بين الناس جعل منها ضرورة ملحة ، فمن خلال قراءاتي في هذا الموضوع لم ألق فكراً أرقى وأشمل مما قدمه الإمام علي عليه السلام، الذي خط للبشرية فكرا تسامحيا تجاوز فيه الزمن التاريخي الذي عاش فيه وتفرع الى ما يمكن أن نسميه حقوقا وحريات أولاها الامام اهتماما ورعاية وطبقها على ارض الواقع على الرغم مما أشار إليه أعداؤه ومخالفوه ، مستغلين إصرار أمير المؤمنين على فرض القانون وتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع لا فرق بين أحد وأحد, ولو تابعنا العلاقة بين الامام وعمّاله على المناطق والأقاليم لوجدنا كيف كان الحث المستمر لهولاء على التقوى والصلاح والعدالة والنزاهة والتعامل الإنساني مع الجميع مسلمين وغير مسلمين.
والفلسفة القانونية عند الإمام علي عليه السلام نابعة من إرادة مؤمنة تُخضع كل شيء لحكم العقل وبناء العلاقات بين الناس على أساس عدم التضارب والتصارع إلا ضمن القانون بغية بناء الدولة الاسلامية الحقيقية السليمة المحكومة بالنظام والقانون وليس بالعادات والتقاليد والمجاملات والعصبيات القبلية والعشائرية، وللحقيقة كان الامام يريد فرض الاستقرار عن طريق فرض القانون وتحقيق المساواة والعدالة بدل الفوضى والاضطراب في مجتمع عانى منه النبي العظيم (صل الله عليه وآله وسلم) الكثير من اجل تحريره من ماضيه وإرثه ، فالإمام وضع الأسس لدولة يحكمها القانون والنظام وتقوم فيها العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس روح الانسانية والاتفاق والحدود وليس على أساس الأثرة والاستعباد والتملك.
الحُب والتسامح عند الإمام علي عليه السلام:
- الحرية الانسانية :
في جانب آخر من نظرية الإمام عليه السلام ، نلمس وعيا كبيرا بالحرية الانسانية حيث يقول (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا)، فقد جسد الامام الحرية على أرض الواقع سواء بحرية التعبير والرأي أو بحرية العمل والتنقل وحرية العقيدة ولنا في تعامله الانساني الرائع مع معارضيه الذين رفضوا بيعته خير مثل ، ومنهم سعد بن أبي وقاص وحسان بن ثابت وعبدالله بن عمر، فقد رفض الإمام المؤمن بحرية الإنسان في الاختيار أن يتولى أصحابه ومناصريه إجبار هؤلاء على البيعة وتركهم أحراراً غير مقيدين يعارضون ضمن القانون والنظام وعندما حمل بعضهم السلاح خارجاً عن الإطار السلمي القانوني للمعارضة تصدى لهم حتى لا تسود الفوضى والاضطراب مبتدئاً بمحاولات السلم والتفاوض لتسوية الأمور وعندما أصروا على الخروج على القانون كان لابد من محاربتهم وإيقاف عدوانهم. ولكن حتى الحرب واستخدام القوة لفرض القانون عند الامام علي عليه السلام لها شروطها وضوابطها.
- حقوق الإنسان:
كما أكد على حرية التنقل وحرية السكن فقد كان الامام حريصا على ذلك، ففي زمانه لم يجبر أحدا أو يمنعه من الانتقال حتى أولئك الذين كانوا يغادرون الى المناطق التي يسيطر عليها مخالفوه فلم يمنعهم وكتب إلى بعض عماله المبرمين على ذلك ألا يأسفوا ولا يحزنوا على من أراد الالتحاق بهم ، فهم أهل دنيا ومصالح وقتية وليس من حاجة تدعو الى ابقائهم فهم قد عرفوا الحق ودولة العدل والمساواة لكنهم فضلوا مصالحهم على ذلك، ولو نرى بنظرة بعيدة وبفكر امني ثاقب التي كان يرى بهما أمير المؤمنين فبقاء هؤلاء المتخاذلين والمترددين والباحثين عن مصالحهم على حساب مصلحة الناس والدولة يشكل خطرا بما يحدثوه من بلبلة ونشر روح التخاذل بين الناس بوصفهم طابورا خامسا حسب الوصف الحديث .
- لا إكراه في الدين:
لكن ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين لم يستوعب ولم يفهم المسلمون ما جاء في فكر هذا الإمام العظيم وقد يستغرب الذين يوجهون سهام نقدهم الى الدين الاسلامي نتيجة تصرفات وسلوكيات وأفكار المنحرفين والمتحجرين الذين أساؤوا للإسلام عندما يجدون عليا عليه السلام يفسح المجال للحرية الدينية لكل الاديان دون ضغط او اكراه سائرا على الهدى القرآني (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) فلم يجبر الإمام أحداً من غير المسلمين على التنازل والتخلي عن عقيدته الدينية والدخول في الإسلام بل كان مانحا الحُرية في زمن خلافته متسامحا فهو يقول (أحُبب لاخاك كما تحب لنفسك)، وكان الآخر محبا للامام لأنه وفر أجواء من حرية الضمير والتعبير دون إكراه ودائما ما كان الإمام يسمح بالمناظرات والمناقشات والحوارات بين المسلمين وغيرهم ويسمح للاخر صاحب العقيدة الدينية بمناظرته بحرية وأمان دون خوف او وجل او خشية على حياته وبكرامة عالية.
لقد كان هدف الامام علي عليه السلام بناء مجتمع سعيد وسليم ومتوازن عندما أسس لحكم دولة القانون وحرية الإنسان وحقوقه ضمن رؤية تسامحية اعترفت بحق الاخر واحترام خصوصياته وعقائده وأفكاره ما دامت لا تخرج عن إطار السلمي والحواري.
لقد كان الإمام علي عليه السلام رائدا للفكر الانساني التنويري وداعية للتسامح وفيلسوفا للقانون ومنفذا للعدالة وصونها على المدى البشري ككل، ومحققا للمساواة فهو الذي يطبق القانون على نفسه أولا ثم على المقربين منه وأنصاره وجنوده وهو الذي يقف أمام القاضي كمواطن لا كحاكم وإمام وخصمه من غير دينه رافضا التمييز بينه وبين خصمه .
ولم تصبني الدهشة حين أعلنت منظمة الأُمم المتحدة قرارها التاريخي في عام 2002، عن اختيار الإمام علي بن أبي طالب (ع) أعدل حاكم في تاريخ البشرية، ودعت الحكام والملوك إلى الإقتداء بنهجه الانساني السليم في الحكم المتجلي بروح العدالة الاجتماعية والسلام.
أمثلة عن الحب وإنسانية الأديان السماوية:
- حادثة الامام موسى الصدر وكنيسة الكبوشية:
في فبراير من 1975 دخل الإمام المغيب موسى الصدر كنيسة الرهبان الكبّوشيين في بيروت في فترة الصيام ، وكانت تلك الفترة بداية الاحتقان الذي تحول إلى فتنة وحرب أهليه ، وألقى الإمام خطبته التاريخية هناك .
حيث لم تكن خطبته كلامًا رائعًا معدًا لمناسبة بعينها، بل كانت نظرية فلسفية متكاملة تختصر واقع لبنان، وتحدد حاجاته، وقدّم نموذجًا راقيًا لفكر كان ليتكفّل وحده بدحض مذاهب المنظّرين لطبيعة الأزمات ، وزعم هؤلاء أنه موعد البشرية مع صراع الأديان وصدام الحضارات!!
وبدأ الإمام المغيب خطبته بالتضرع إلى ربه في مستهل الخطبة قائلًا: ها نحن نجتمع بين يديك في بيت من البيوت التي تنسب إليك وفي أوقات الصيام من أجلك… قلوبنا تهفو إليك، وعقولنا تستمد النور والهداية منك، معتبرين أنك دعوتنا أن نسير جنبًا إلى جنب في خدمة خلقك ، وأن نلتقي على كلمة سواء لأجل سعادة خليقتك. فإلى بابك اتّجهنا، وفي محرابك صلّينا. اجتمعنا من أجل الإنسان الذي كانت من أجله الأديان“.
كأنه بهذه الكلمات الرائعة قد قال للبنانيين ، إن الكنائس والجوامع والمساجد والحسينيات، هي بيوت الله سبحانه، وفيها جميعًا تليق الصلاة لجموع المؤمنين، بمعزل عن انتمائهم إلى مذهب معيّن، أو طائفة ودين، لأن هذه كلها منابر للإيمان، وساحات ساميات للتلاقي، مكرّسة لخدمة الإنسان وهدايته، بحكم هداية الأديان للإنسان.
- دعوة الأب مانويل مسلّم للمسلمين في غزة:
وفي أحداث الحرب على غزة من قبل الصهاينة في يوليو 2014، وبعد لجوء عدد كبير من المواطنين الذين يسكنون حي الشجاعية المدمر بغزة، إلى كنيسة “القديس بيرفيريوس” وسط المدينة، عقب القصف الوحشي الذي تعرض له هذا الحي، دعا راعي الكنيسة المسيحية السابق في غزة الأب مانويل مسلم، في رسالة تضامنية منه مع المسلمين في غزة إلى رفع الآذان من الكنائس في حال هدم جيش الاحتلال المساجد في القطاع ودمرها.
حيث جاءت دعوة الأب مسلم هذه كرسالة تضامنية منه مع المسلمين في غزة، وردا على استهداف طائرات الاحتلال للمساجد، فقوله للمسلمين: “إذا هدموا مساجدكم فارفعوا الأذان من كنائسنا”. موقف وطني رائع، يجسد الوحدة الوطنية أبلغ تجسيد.
مما سبق نستنتج بأن الحب والتسامح والسلام هو القاسم المشترك بين كافة الأديان بلا استثناء وهو ما يحدد أساس العلاقة السليمة بين البشرية، وإن تلك النزاعات والحروب ما هي إلا نتاج نزعة الشر التي غلبت نزعة الخير في ذات الإنسان، وإن أردنا أن نعيش بأمان ومحبة، علينا الإصرار على أن نستبدل الكراهية بالحب، والعنف بالتسامح، والحرب بالسلام، والصدام بالحوار، والجدال والخلاف بالتواصل الايجابي.
التوصيات:
ان نشر ثقافة الحب والتسامح في العالم يحتاج إلى تكاتف جهود المجتمع ككل لأن عملية البناء تعتبر سلسلة مترابطة كل جهة منها تكمل الأخرى ، لذا سأحاول جاهده بيان دور كل جهة:
- دور الحكومات في نشر الحب وروح التسامح:
- إنشاء هيئة تساهم بشكل فاعل في توطيد العلاقات بين أفراد مجتمعها يناط لها مهام التقريب بينهم بأنشطة وأعمال مشتركة دون النظر إلى الانتماء الديني والمذهبي.
- الاستفادة من مدرسة الإمام علي عليه السلام ونظريته السمحاء في الحب والتسامح، وتطبيقها على أرض الواقع.
- بث روح الحوار بين أطياف المجتمع عبر إقامة ندوات وورش عمل تساهم على ذلك.
- الاهتمام بالمناسبات الدينية للمقيمين على أرضها من الاقليات الدينية أو العرقية واحترام عقائدهم ومنحهم الحرية لممارسة طقوسهم (طالما كانت في حدود عدم المساس بحرية الآخرين).
- حظر انتشار خطاب الكراهية بين أفرادها وتشديد العقوبة على متداوليه والتعامل معهم بمسطرة واحدة.
- ضرورة مواجهة آفة التطرف التي بدأت تنخر الكيان الاجتماعي للمجتمعات من خلال بث روح العصبية المحمودة التي تدعوا لانتماء الفرد لجماعة دون إظهار السلوك العدواني ضد الغير من الجماعات الأخرى أو نبذها.
- توفير برامج توعية تعنى بالمجتمعات ككل وتعمل على إذابة الفروق بين الجماعات المكونة للمجتمع. وصهرها بقالب واحد يكون أساسه الحس الانساني والتمسك بمكونات المجتمعات والثقافات المختلفة.
- غرس روح المواطنة بين أفراد المجتمع.
- الاهتمام بالشباب والحرص على استغلال طاقتهم بما يرجع بالخير للمجتمع، والعمل على بناء التربية النفسية والروحية والاجتماعية السليمة، وتوفير فرص العمل، واشراكهم في كافة المجالات التنموية في الدولة.
- دور الإعلام :
- نشر الوعي بين أفراد المجتمع في القضايا التي تثير الفتن وتأجج نار التعصب، من خلال بث روح العفو والتسامح والتغاضي عن الهفوات والزلات الصغيرة، والدعوة لردع كل من يقوم على تأجيج نيران الفتن بالعقوبات القاسية.
- تبني الموضوعية وثقافة التعايش السلمي في الخطاب الإعلامي .
- إقامة دورات وبرامج شبابية ترسخ ثقافة المحبة والتسامح بين الاديان والمذاهب .
- عدم استغلال الأوضاع بهدف نيل سبق صحفي .
- دور علماء الدين :
- حث الشباب على حب الدين عن طريق نشر أصوله والقيم الأخلاقية الحقيقية في حياة الأنبياء والرسل.
- توعية أفراد المجتمع بالمستجدات على الساحة وتوضيح خطورة نشر الفوضى بين الناس.
- نشر ثقافة الحب والتسامح في الخطب بالمساجد ودور العبادة.
- أن يكونوا قدوة حسنة متحلين بالأخلاق والقيم الفاضلة.
- بيان خطورة بعض الفتاوى الهدامة التي تصدر من بعض مدعي العلم والتدين والتصدي لأفكارهم.
- v تنظيم رحلات تجمع بين أفراد من كافة الطوائف والمذاهب .
- دور مؤسسات التربية والتعليم:
- الاهتمام باختيار المعلم الكفء الذي يعتبر أهم زوايا مثلث التعليم، واختياره وفقا لمعايير معينة مثل الكفاءة في الاخلاق والثقافة والعلم.
- الحرص على تطوير قدراته باستمرار.
- الاهتمام بالمناهج المدرسية والتأكد من عدم احتوائها على دروس تثير الفتن والنعرات الطائفية.
- إقرار مناهج مدرسية تهتم بغرس روح الألفة والحب بين الناس على أساس انساني بحت بعيدا عن الاختلافات المذهبية (منهج السلوك والاخلاق).
- تبني مبدأ الحوار في المناهج المدرسية ويتم تطبيقها كأسلوب تدريس في كافة المناهج الدراسية.
- الاهتمام بالنشء واكتشاف ابداعاتهم وصقلها.
- بث روح الألفة والحب بين الطلبة، وإتاحة الفرصة لهم وإشراكهم في الحوارات التي تعزز القيم .
- عمل برامج تساعد على زيادة التماسك الداخلي لدى الطلبة لتحمل الضغوط النفسية والتعامل معا بأسلوب عملي ونفسي سليم.
- دور الأسرة:
- توجيه الأبناء لاختيار اتجاهاتهم وانتماءاتهم للجماعات ومراقبة سلوكهم.
- غرس المبادئ والقيم الحميدة لمعنى الحب والتسامح بداخل الأسرة وخارجها.
- تعليم الأبناء أسلوب الحوار وتقبل الآراء باختلافها مهما كانت عكس توجهاتهم الشخصية.
- إقامة حوار وجلسات توعوية بين الآباء والأبناء للتحدث عن الحياة وعرض ما هو جديد بالساحة.
- فهم ميول واستجابات الأبناء واستخدام أسلوب الاحتواء والإقناع كوسيلة للوصول إلى مفهوم عقلاني لتحليل الأمور.
- دور المجتمع المدني:
- العمل على زيادة التماسك الداخلي للفرد.
- اقامة ندوات وورش عمل لغرس حب المواطنة وغرس أسمى القيم باساليب مشوقة.
- اشراك المجتمع المدني مع المؤسسات الحكومية لموضوع الخطط المستقبلية التي تساعد على نمو الفرد والجماعة.
- تفعيل مبادرات الحقوقيين في المجتمع المدني ، والأخذ بملاحظاتهم بما يتعلق بهذا الخصوص .
الخلاصــــة:
خلقنا الله لنؤثر ونتأثر بما يجري حولنا من أحداث سواء الإيجابية منها أو السلبية مما يجعلنا دائما في حالة البحث عن العيش بسلام عن طريق اتخاذ قرارات مصيرية، لذا فإن قراراتنا مثلما تكون منطقية فهي أيضاً مرتبطة بالمشاعر والعواطف والوجدان، فالحب نابع من أعماق الإنسان وتمنحه الرضا والسعادة.
ولأهمية الحب للفرد والمجتمع اعتبرته الأديان هدفاً سامياً لإشاعة السلام والمحبة وبناء الحياة على أساسه، فجميع الأديان السماوية دعت إلى نشر المحبة وبغض الكراهية والحقد. ولكن مع الانفتاح الفكري الذي تشهده بلدان العالم اليوم وتداخل الثقافات بينها التي سببتها العولمة، تلاشت هوية المجتمعات، مما شكلت حالة من التخبط الفكري لدى أفراد الجماعات لتسبب انسلاخ الانسان عن تراثه وقيمه ومبادئه مما تسبب في حدوث فجوة هائلة نشأت عنها افكار مدمرة للإنسانية .
ومن خلال الأسطر القليلة التي سطرتها حاولت جاهدة الى تسليط الضوء ــ قدر الإمكان ــــ على مكامن الخلل، والبحث عن حلول ناجعة تساعدنا على نشر المحبة والسلام في العالم، وتوصلنا من خلالها الى المسلمات التالية :
أولاً: إن الله قد فطر خلقه جميعا على حب الخير ونبذ الشر، وإن كان الشر جزءاً من تكوينهم العاطفي إلا
أنه يصبح ضئيلاً إن تم تقويمهم، إلى سمو الأخلاق والسلوك السوي.
ثانياً: توظيف عاطفة الحب والتسامح لترسيخ القيم والقناعات وبناء الاتجاهات، خاصة وأن الإنسان لا
يعيش حياة متوازنة إلا إذا كان بناؤه العاطفي متوازناً وعاش حياة عاطفية متناسقة.
ثالثاً: تشترك كافة الأديان في دعوتها إلى الحب ونبذ الكراهية وإن اختلفت في عمق تناولها لهذا
الموضوع، لذلك فان الارهاب بانواعه لا دين له ولا مذهب .
رابعاً: إن بناء الحب في العملية التربوية داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع يجب أن ينسجم مع تعاليم
الدين، بهدف بناء إنسان متوازن نفسياً وفكرياً واجتماعياً .
خامساً: الحوار هو من أحسن الوسائل المتبعة لإقناع وتغيير الاتجاه مما قد يدفع إلى تعديل السلوك إلى
الأحسن، ولترويض النفوس على قبول النقد، واحترام آراء الآخرين، وتتجلّى أهميته في دعم النمو
النفسي والتخفيف من مشاعر الكبت وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية والمخاوف
والقلق.
تم بحمد الله وتوفيقه,,
المراجــع العامة:
1. القرآن الكريم.
2. ورقة بحثية : الحب والكراهية من منظور ديني تربوي الدكتور : مصطفى الجلابنه.
3. المعجم الوسيط
www.alseraj.net/maktaba/kotob/akhlagh/…/13.htm
8. فكرة التسامح عند علي بن أبي طالب عليه السلام – وكالة الميزاب www.almizab.net/?p=871
- سلسلة كتب الوسطية… نور للدكتور سعد المرصفي 2008
ـ المدخل إلى ثقافة الأمة الوسط.
ـ ثقافة الأمة الوسط.
ـ الوسطية والإرهاب العالمي.
10. كتاب (في حب الكويت … تطلعات مشرقة ـ غنيمة حبيب كرم 2013.
11. مقالات متنوعة ــ غنيمة حبيب . صفحة (كل الاراء) بجريدة السياسة .
12. كتاب العنف الاسري في المجتمع الكويتي دراسة مكتبية ميدانية فبراير 2013.