يعاني المجتمع الكويتي عددا من المشكلات التربوية والأسرية والاجتماعية، وذلك نتيجة لعدم وجود رؤية واضحة في اتخاذ بعض القرارات من قبل مؤسسات الدولة، فهي قرارات تكون في كثير من الأحيان ارتجالية وعاطفية، كما أنها لا تتصف في المرونة أو حتى الواقعية في بعض الحالات، بل هي عبارة عن ردة فعل متسرعة لحدث ما أو مشكلة مستجدة.
إن القرار المؤسسي لا بد وأن يرتكز على رؤية المؤسسة التي لا تسمح بالفردية، وتدعم القرار الناجح وتعززه، لأنه وسيلة للوصول إلى الرؤية التي تطمح إليها المؤسسة في تحقيق أهدافها من خلال خطة مدروسة، خاصة في ضوء الكثير من المتغيرات التي تطرأ يوميا على أمور الحياة المختلفة، التي تتطلب قدرا وافرا من المرونة والموضوعية في عملية اتخاذ القرار وفي تنفيذه.
أما عن طبيعة القرار فكلما كان واقعيا ومن شأن ذلك أن يجعله مقبولا في المجتمع المعني، ولا يخفى على أحد بأن ما يتعذر تنفيذه منها سوف يكون مضرا بمتخذه وبالجهة التي يمثلها بالضرورة.
إن الكثير من القرارات التي يتم اتخاذها تتصف بالفردية ولا تتبع الرؤية المؤسسية، إنما هي رؤية متخذه، وهذا يقلل من قيمة القرار، ويجعله عرضة للإهمال برحيل صاحبه وتركه المنصب، ولا تكون النتيجة في تلك الحالة سوى هدرا للوقت والمال وإضاعة للجهود، إضافة لبعض الضحايا الذين يدفعون ثمن أخطاء غيرهم.
ومع الأسف فنحن في الكويت كثيرا ما نتسرع باتخاذ القرارات التي لا نعرف أساسها، فهي تتخذ بتسرع ودون استشارة المختصين والاستعانة برؤيتهم، فتأتي بنتائج عكسية وغير متوقعة، لأن القرار اتخذ دون دراسة كافية، لذلك نجدنا كثيرا ما نتخذ القرارات ثم نعود للتراجع عنها، وهذا أمر غاية في السوء.
ويرجع ذلك إلى إن مؤسساتنا مع الأسف لا تسير ضمن خطة تكاملية متوافقة، إذ نشعر بأن لكل مؤسسة رؤيتها الخاصة في تحقيق أهداف الدولة العامة، وهي كذلك تعمل دون استراتيجية واضحة، وهذه معضلة كبيرة، لأنها تفرز الكثير من المشكلات في كافة المجالات، خاصة التعليمية والأسرية والاجتماعية، فإذا نظرنا على سبيل المثال إلى تحديد عمر الفرد الراشد في الكويت نجد الكثير من التناقض، فهو في إدارة المرور وحقه بمنح رخصة السوق شيء، وفي حقه بالتصويت الانتخابي شيء، وأخيرا أصبح في التعامل مع الجرائم والأحداث شيء آخر، فهل اُتخذ رأي المختصين بتحديد ذلك العمر من الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين أو المستشارين القانونين الذين هم أجدر من غيرهم بمثل هذا الأمر؟
والأمثلة بالتناقضات كثيرة، وربما بعضها يبدو متأصلا في المواد الدستورية، ومن ذلك المواد التي تحدد التعامل مع المدمن، فهناك مواد تعتبره مجرما، وهناك أخرى تعتبره مريضا يحتاج إلى علاج، ولا ندري كيف يتم اللجوء إلى أحد الأمرين، ومن هنا نرى بأن هناك حاجة إلى التوفيق بين بعض المواد الدستورية واضحة وجلية.
إننا نحترم قوانين الدولة ونضعها فوق كل اعتبار، لكننا نؤمن بأن مراجعة تلك القوانين والتعديل فيها أمر يزيده أهمية وواقعية ، ويجعلها أكثر رسوخا في قلوبنا، ويسهل التعامل بين الأفراد والمؤسسات، وهذا بالتأكيد لا يفقده السلطة، لأننا نؤمن بأنها ثمرة جهود نخبة من أبناء الكويت المخلصين، ونحن إذ نبارك تلك الجهود ونثني عليها ونقدرها، ونرى بأن الظروف تتغير، والتعديل لا يعيب تلك الجهود ولا يلغيها أو يقلل من أهميتها.
كما أرى بأن استمرارية بعض متخذي لتلك القرارات الارتجالية على هذا النهج كان نتيجة لعدم وجود آلية للمحاسبة على متخذيها والتي قد تضر مصالح الأفراد وفي توجهات الدولة، فلا بد من وجود وسائل للتقييم في ضل رؤية الدولة واستراتيجيات العمل التي وضعت لتنظيم علاقة الأفراد فيما بينهم من جهة، وبين الأفراد ومؤسسات الدولة من جهة أخرى.
كفانا تخبطا في تقرير مصير ابناء المجتمع ولنكن واقعيين وموضوعيين في قراراتنا، فقد عانى الكثير من أفراد الشعب الكويتي من تلك القرارات التي تتخذ دون دراية ومعرفة، فما الضير من الاستنارة والاستئناس بآراء المختصين وأصحاب الخبرة؟ وما الذي يمنع صاحب القرار من الاستعانة بهم؟